من أهل العلوم كالنحوي والمنطقي وأمثالهما، أو الصنائع كالحداد والنجار وغيرهما، والشرعية ما صار كذلك في اصطلاح الشارع. ولا يخفى أن جعل العرف العام في مقابل اللغة لاوجه [له]، بل هو داخل في اللغة، فإن كون الدابة - مثلا - حقيقة في ذات القوائم الأربع بحسب العرف العام ليس المراد أن الدابة حقيقة عند تمام أهل الدنيا من العرب والعجم والترك وغيرهم في هذا المعنى، بل المراد أنها كذلك عند عامة العرب.
ومعلوم أن الحقائق اللغوية في لغة العرب وغيرها لم يحصل جميعها بوضع الواضع الأول، بل حصل بعضها به وبعضها باستعمال أهل اللغة نقلا عن لغة أخرى كما في الألفاظ المشتركة بين اللغات كالصابون والتنور وغيرهما من الألفاظ المشتركة بين لغة العرب والعجم، أو إحداثا واختراعا من عند أنفسهم بلا نقل عن لغة أخرى، ولا إشكال في أن هذه الألفاظ التي صارت حقائق عرفية عند كل أهل لغة ليست إلا حقائق لغوية بناء على ما ذكرنا من عدم حصول الوضع بالنسبة إلى تمام الألفاظ من الواضع الأول.
وعلى هذا إذا استعمل أهل العرف العام لفظا في غير معناه الأولي الذي كان له بحسب وضع الواضع الأول، فإن صار معناه الأول مهجورا كان منقولا، وإلا كان مشتركا.
ثم إن المراد بالحقيقة الشرعية ما صار اللفظ حقيقة فيه في لسان الشارع، وهو النبي (صلى الله عليه وآله) بناء على مذهب العامة الذين هم الأصل في الأصول من تمامية الأحكام في زمانه، وأما بناء على مذهب الخاصة من صدور بيان بعض الأحكام، بل أكثرها من الأئمة (عليهم السلام)، فالشارع أعم منه (صلى الله عليه وآله) ومن الأئمة (عليهم السلام).
فعلى هذا، الألفاظ التي صارت حقائق في المعاني الشرعية في زمان الصادقين حقائق شرعية لا متشرعة، وتخصيص الخاصة الحقائق الشرعية بما صارت حقائق في لسانه (صلى الله عليه وآله) إنما هو لتبعية العامة الذين هم الواضعون للأصول كتبعيتهم في إطلاق لفظ الإجماع على اتفاق الكل الذي هو معتبر عندهم، وإن لم