من عدم لزومه بالبيان المذكور.
ولكن مع ذلك في دلالة الآية نظر، لأن المراد من إيتاء الحكم وإعطائه هو إعلامه بنحو المتعارف بتبليغ الرسل وإنزال الكتب لا إعلام آحاد المكلفين، فالآية تدل على نفي التكليف بالأحكام التي لم يبلغها الله بتوسط الرسل والسفراء، ويكون من قبيل " اسكتوا عما سكت الله " على نفي التكليف بالنسبة إلى الأحكام التي بلغها السفراء وخفي على بعض المكلفين وما وصلت إليهم كما هو المدعى.
ومما ذكرنا في هذه الآية يظهر ما في الاستدلال بقوله تعالى ﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها﴾ (١).
ومنها: قوله تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ (2) بناء على أن بعث الرسول كناية عن بيان التكليف، لأنه يكون به غالبا كما في قولك: " لا أبرح من هذا المكان حتى يؤذن المؤذن " كناية عن دخول الوقت أو عبارة عن البيان النقلي، ويخصص العموم بغير المستقلات العقلية ففيها العقاب ولو لم يكن على طبقها البيان النقلي، أو يلتزم بالعموم من دون تخصيص، لوجوب تأكيد حكم العقل بالنقل في حسن العقاب من باب اللطف وإن لم يكن له دخل في حسن الذم، بناء على أن منع اللطف يوجب قبح العقاب دون الذم كما صرح به بعض (3).
وعلى أي تقدير فالآية تدل على نفي العقاب قبل البيان.
وفيه - كما قال الشيخ (قدس سره) -: إن ظاهر الآية الإخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث، فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة (4) كالمسخ وغيره من أنواع التعذيبات الواقعة في بني إسرائيل وغيرهم من الأمم السابقة. فعلى هذا تكون الآية في مقام الإخبار بأن تعذيبنا للأمم السابقة لم يكن إلا بعد بعث الرسول وإتمام الحجة البالغة عليهم زائدا على ما يحتاج إليه التكليف من البيان كما في