المتكلم لم يكن في مقام الإهمال والإجمال، وهذا المقصود يستفاد من ذكر لفظ " كل " وأمثاله، لأنه لو كان المتكلم في مقام الإهمال والإجمال لا يناسب ذكر " كل " بل لا يصح فإنه يصح أن يقول الطبيب في مقام الإهمال والإجمال: " إشرب الدواء " ولا يصح أن يقول: " اشرب كل دواء " فلفظ " كل " مناف للإهمال والإجمال.
وكذلك النكرة الواقعة عقيب النفي أو النهي ك " لا رجل في الدار " أو " لا تقتل أحدا " فإن النكرة المثبتة يمكن فيها الإهمال والإجمال من جهة أن الاثبات إخراج من العدم إلى الوجود. ويمكن فيه الاكتفاء بصرف الوجود بخلاف المنفية والمنهية فإن النفي إخراج من الوجود إلى العدم، ولا يمكن الاكتفاء فيه بصرف العدم فهذه المقدمة أعني كون المتكلم في مقام البيان لا الإهمال والإجمال لا نحتاج إليها في دلالة " كل " وما يرادفها على العموم ولا في دلالة النكرة المنفية أو المنهية عليه. نعم نحتاج إلى مقدمة عدم التقييد ولابد من إحراز عدم تقييد المتعلق إما بالوجدان أو بأصل معتبر عند الشك في التقييد وعدمه.
فلفظ " كل " من جهة كونه منافيا للإهمال والإجمال يدل على استيعاب أفراد مدخوله بعد إحراز عدم تقييد بالوجدان أو بالأصل المعتبر مثل أكرم كل رجل أو كل عالم بالنسبة إلى أفراد الرجل والعالم من العربي والعجمي والتركي وغيرهم، ويعبر عنه بالعموم الأفرادي وله عموم آخر بالنسبة إلى أحوال كل فرد من كونه شيخا أو شابا أو قائما أو قاعدا وأمثالها ويعبر عنه بالعموم الأحوالي كما ذكروا في مثل ﴿أوفوا بالعقود﴾ (1) بأن له عموم أفرادي بالنسبة إلى افراد العقود وهل له عموم أحوالي بالنسبة إلى كل فرد من أفراد العقود أم لا؟ ولفظ " كل " لا يدل على العموم من هذه الجهة فلابد من سور يدل عليه من هذه الجهة أيضا كأن يقال: أكرم كل عالم في كل حال، أو في أي حال، أو يثبت العموم من هذه الجهة أنه بمقدمات الحكمة.