البول، فقال في الأول بعدم التداخل وفي الثاني بالتداخل، من جهة أن الطبيعة بصرف وجودها هو الموجب للجزاء لا بوجودها الساري في كل فرد، وهو لا يخلو عن وجه، إذ كما يحتمل أن تكون الطبيعة بوجودها الساري موجبا كذلك يحتمل أن تكون بصرف وجودها موجبا، أي ليس وجود الطبيعة وعدمها على السواء بالنسبة إلى الجزاء وأن الجزاء يترتب على وجودها وأما ترتبه على كل وجود وجود منها فلا.
وأما التفصيل بين كون أسباب الشرعية عللا حقيقية أو معرفات فإن قلنا بأنها علل حقيقية فلا يمكن القول بالتداخل، لاستلزامه اجتماع العلل المتعددة على معلول واحد، وإن قلنا بأنها معرفات فلا مانع منه، لأن اجتماع المعرفات لا مانع، إذ يمكن أن يكون لمعرف واحد معرفات متعددة كما لا يخفى.
ففيه: أنه لا وجه لهذا التفصيل، لأنه لو كان ظهور الجملة الشرطية هو الحدوث عند الحدوث فلا فرق بين أن يكون الشرط علة بنفسه أو كاشفا عن العلة، وإن لم يكن لها ظهور في الحدوث عند الحدوث، بل كانت ظاهرة في الثبوت عند الثبوت. فلا فرق أيضا بين كون الشرط علة أو كاشفا عن العلة.
ثم لا يخفى أنه لابد أن تكون القضية المفهومية متحدة مع القضية المنطوقية موضوعا ومحمولا ومختلفة معها في الإيجاب والسلب فقط، فلذا ربما تختلف الأنظار في كيفية أخذ المفهوم من جهة بعض القيود التي أخذت في طرف المنطوق كما في قوله تعالى: ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا﴾ (1) حيث إنه استدل بعض (2) لهذه الآية على حجية خبر العادل من جهة مفهوم الشرط.
وأورد عليه بأن القضية الشرطية هنا مسوقة لإحراز الموضوع مثل إن رزقت ولدا فاختنه، وإن ركب الأمير فخذ ركابه، لأن مفهومها إن لم يجئكم الفاسق بنبأ فلا تتبينوا، وهي سالبة بانتفاء الموضوع كما في المثالين، وكون مفهومها إن جاءكم