يمكن أن يقال: إن في فعل الصلاة جلب منفعة وفي ترك الحرام دفع مفسدة، فهو أولى من جلب المنفعة، فيترك الصلاة ولا يفعل المحرم، بل ربما يكون الأمر بالعكس فيفعل المحرم ولا يترك الصلاة ولو سلم فهو أجنبي عن المقام، فإنه فيما إذا دار الأمر بين الواجب والحرام في مرحلة الامتثال لا فيما إذا دار الأمر بين احتمال الوجوب والحرمة في مرحلة جعل الحكم كما في المقام.
ولو سلم بأنه لا فرق بين دوران الأمر بين الواجب والحرام في مرحلة الامتثال وبين دورانه بين احتمال الوجوب والحرمة في مرحلة الجعل كما هو الظاهر فهو إنما يكون في مورد لا تجري هناك أصالة البراءة أو الاشتغال كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيين لا فيما تجري كما في محل الاجتماع لأصالة البراءة عن الحرمة فيحكم بصحة الصلاة ولو قيل بقاعدة الاشتغال في الأجزاء والشرائط فإنه لا مانع عقلا إلا فعلية الحرمة المرفوعة باصالة البراءة عنها عقلا ونقلا.
الثالث: الاستقراء، فإنه يقتضي تقديم جانب الحرمة على جانب الوجوب كحرمة الصلاة في أيام الاستظهار وعدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين.
وفيه: أن الاستقراء ليس بمعتبر ما لم يفد القطع، ولو سلم أن الاستقراء الظني أيضا معتبر فهو لا يتحقق بهذا المقدار. ولو سلم تحققه بهذا المقدار - أي لوجود موردين - قدم فيهما احتمال الحرمة على احتمال الوجوب، فنقول: ليست حرمة الصلاة في أيام الاستظهار ولا عدم جواز الوضوء بالماءين مربوطا بالمقام.
توضيحه: هو أن المراد بأيام الاستظهار إما أن يكون أول ما تراه المرأة من الدم قبل انقضاء ثلاثة أيام كالمبتدأة والمضطربة التي لم تستقر لها عادة، وإما أن يكون ما بين العادة والعشرة فيما إذا تجاوز عن العادة في ذات العادة. فإن كان المراد هو الأول فإن قلنا: إن حرمة الصلاة على الحائض تشريعية وليست بذاتية فلا ربط له بالمقام، لأن الكلام في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة الذاتيين، فحينئذ تجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة وتأتي بالصلاة برجاء المطلوبية، وإن قلنا بأن حرمة الصلاة عليها ذاتية كما هو الظاهر من النهي عن