كانت قاعدة الطهارة محكمة، هذا ما أفاده (قدس سره) في الكفاية (1).
ولكن للنظر فيه مجال، أما ما ذكره من أن الاستقراء ليس بمعتبر ما لم يفد القطع ولو سلم أن الظني منه معتبر فهو لا يتحقق بهذا المقدار ففيه:
أن الموارد التي قدم فيها جانب الحرمة على جانب الوجوب كثيرة في الشريعة بحيث ربما توجب القطع بتقديم جهة الحرمة على الوجوب فضلا عن الظن كما في كثير من الواجبات التي لم يتمكن منها المكلف إلا بإضرار نفسه أو غيره أو التصرف في مال غيره كركوب الدابة المغصوبة للرواح إلى الحج.
نعم ربما يقدم الواجب فيما إذا كان له أهمية في نظر الشارع كحفظ النفس المحترمة عن الهلاك فيما إذا توقف على التصرف في مال الغير فإنه يقدم فيه الواجب على الحرام، ولكنه نادر بالنسبة إلى عكسه، والنادر كالمعدوم، والظن يلحق المورد المشكوك بالغالب لا بالنادر. وأما ما ذكره من أن ترك الصلاة في أيام الاستظهار - بناء على كونها محرمة على الحائض ذاتا - ليس من جهة تغليب جهة الحرمة على الوجوب، بل من جهة قاعدة الإمكان، فهو حق بالنسبة إلى أول ما تراه المرأة من الدم، فإنها بضميمة استصحاب بقاء الدم إلى الثلاثة فما زاد تثبت كونه حيضا، وأما بالنسبة إلى ما تراه بعد العادة وقبل العشرة فلا، لما عرفت من أن المراد بالإمكان هو المستقر، والاستصحاب الموضوعي وهو بقاء الدم إلى ما فوق العشرة ينفيه، فلا وجه لترك الصلاة فيها إلا تغليب جهة الحرمة على جهة الوجوب.
وأما ما ذكره من أن عدم جواز التوضي بالماءين المشتبهين خارج عن محل الكلام، إذ الكلام في اجتماع الحرمة الذاتية مع الوجوب الذاتي وحرمة استعمال الماء المتنجس في الوضوء ليست ذاتية بل تشريعية، ولا تشريع فيما إذا توضأ بهما احتياطا، فلا حرمة في البين غلب جانبها، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك، بل اراقتهما كما في النص (2) ليس إلا من باب التعبد أو من جهة الابتلاء