أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد. وقد اختلف العلماء في اشتراط السماع لآية السجدة، وإلى اشتراط ذلك ذهبت العترة وأبو حنيفة والشافعي وأصحابه، لكن الشافعي شرط قصد الاستماع، والباقون لم يشترطوا ذلك. وقال الشافعي في البويطي: لا أؤكد على السامع كما أؤكد على المستمع. وقد روى البخاري عن عثمان بن عفان وعمران بن حصين وسلمان الفارسي أن السجود إنما شرع لمن استمع، وكذلك روى البيهقي وابن أبي شيبة عن ابن عباس.
وعن زيد بن ثابت قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنجم فلم يسجد فيها رواه الجماعة إلا ابن ماجة. ورواه الدارقطني وقال فلم يسجد منا أحد.
الحديث احتج به من قال: إن المفصل لا يشرع فيه سجود التلاوة، وهم المالكية والشافعي في أحد قوليه كما تقدم، واحتج به أيضا من خص سور النجم بعدم السجود وهو أبو ثور، وأجيب عن ذلك بأن تركه صلى الله عليه وآله وسلم للسجود في هذه الحالة لا يدل على تركه مطلقا، لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك، إما لكونه كان بلا وضوء، أو لكون الوقت كان وقت كراهة، أو لكون القارئ لم يسجد، أو كان الترك لبيان الجواز، قال في الفتح: وهذا أرجح الاحتمالات، وبه جزم الشافعي، وقد تقدم حديث ابن عباس:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس. وروى البزار والدارقطني عن أبي هريرة أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه. قال في الفتح: ورجاله ثقات. وروى ابن مردويه بإسناد حسنه الحافظ عن أبي هريرة أنه سجد في خاتمة النجم، فسأل عن ذلك فقال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد فيها. وقد تقدم أن أبا هريرة إنما أسلم سنة سبع من الهجرة. واستدل المصنف رحمه الله بحديث الباب على عدم وجوب السجود فقال ما لفظه: وهو حجة في أن السجود لا يجب اه. واستدل من قال بالوجوب بالأوامر الواردة به في القرآن كما في ثانية الحج، وخاتمة النجم، وسورة اقرأ، ولا يخفى أن هذا الدليل أخص من الدعوى، وأيضا القائل بالوجوب وهو أبي حنيفة لا يقول بوجوب السجود في ثانية الحج كما تقدم، ومقتضى دليله هذا أن يكون أوجبه.