بالأسود أخرج ما عداه من الكلاب، وحديث أن الخنزير والمجوسي واليهودي يقطع لا تقوم بمثله حجة كما تقدم. وفيه أن حديث عائشة المتقدم مشتمل على ذكر الكافر ورجال إسناده ثقات كما عرفت. وذهب مالك والشافعي وحكاه النووي عن جمهور العلماء من السلف والخلف، ورواه المهدي في البحر عن العترة أنه لا يبطل الصلاة مرور شئ.
قال النووي: وتأول هؤلاء هذا الحديث، على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء، وليس المراد إبطالها، ومنهم من يدعي النسخ بالحديث الآخر: لا يقطع الصلاة شئ وادرأوا ما استطعتم قال: وهذا غير مرضي، لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها وعلمنا التاريخ، وليس هنا تاريخ ولا تعذر الجمع والتأويل، بل يتأول على ما ذكرنا، مع أن حديث: لا يقطع صلاة المرء شئ ضعيف انتهى.
وروي القول بالنسخ عن الطحاوي وابن عبد البر، واستدلا على تأخر تاريخ حديث ابن عباس الآتي بأنه كان في حجة الوداع وهي في سنة عشر، وفي آخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى تأخر حديث عائشة وحديث ميمونة المتقدمين. وحديث أم سلمة الآتي بأن ما حكاه زوجاته عنه يعلم تأخره لكونه صلاته بالليل عندهن، ولم يزل على ذلك حتى مات خصوصا مع عائشة، مع تكرر قيامه في كل ليلة، فلو حدث شئ مما يخالف ذلك لعلمن به، وعلى تسليم صحة هذا الاستدلال على التأخر لا يتم به المطلوب من النسخ، أما أولا فقد عرفت أن حديث عائشة وميمونة خارجان عن محل النزاع، وحديث أم سلمة أخص من المتنازع فيه، لأن الذي فيه مرور الصغيرة بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم. وحديث ابن عباس ليس فيه إلا مرور الأتان فهو أخص من الدعوى. وأما ثانيا فالخاص بهذه الأمور لا يصلح لنسخ ما اشتمل على زيادة عليها لما تقرر من وجوب بناء العام على الخاص مطلقا. وأما ثالثا فقد أمكن الجمع بما تقدم. وأما رابعا فيمكن الجمع أيضا بأن يحمل حديث عائشة وميمونة وأم سلمة على صلاة النفل، وهو يغتفر فيه ما لا يغتفر في الفرض، على أنه لم ينقل أنه اجتزأ بتلك الصلاة، أو يحمل على أن ذلك وقع في غير حالة الحيض، والحكم بقطع المرأة للصلاة إنما هو إذا كانت حائضا كما تقدم. وأيضا قد عرفت أن وقوع ثوبه صلى الله عليه وآله وسلم على ميمونة لا يستلزم أنها بين يديه فضلا عن أن يستلزم المرور، وكذلك اعتراض عائشة لا يستلزم المرور، ويحمل حديث ابن عباس على أن صلاته صلى الله عليه وآله وسلم كانت إلى سترة مع وجود السترة لا يضر مرور شئ من