الانسان يصرف نفسه في الطاعة أو المعصية بقدر الله تعالى ويملك نفسه في ذلك كما قال موسى عليه الصلاة والسلام انه يملك نفسه في الجهاد ولا يصرف أخاه كذلك ولا يطيعه ففسد هذا القياس البارد الذي لم يسمع قط بأسخف منه، وأما قول الله تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ان كل من في السماوات والأرض الا آتي الرحمن عبدا) فلا يجوز البتة ان يستدل من هذا على عتق الابن ولا على أنه لا يملك لان الله تعالى لم يدل على ذلك بهذه الآية وليس فيها الا الخبر عنهم بما هم عليه من أنهم عبيد لا أولاد ولو كان ما قالوه لوجب عتق الزوجة والشريك إذا ملكا لان الله تعالى انتفى عنهما كما انتفى عن الولد سواء سواء وأخبر أن الكل عبيده ولا فرق فسقط احتجاجهم جملة وبالله تعالى التوفيق، وأما من قال: لا يعتق أحد على أحد فإنهم ذكروا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يجزى ولد والدا الا ان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) * قال أبو محمد: هذا حجة عليهم لان الله تعالى يقول: (أن اشكر لي ولوالديك) فافترض عز وجل شكر الأبوين وجزاؤهما هو من شكرهما فجزاؤهما فرض فإذ هو فرض وجزاؤهما لا يكون الا بالعتق فعتقهما فرض وما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا، ثم نظرنا فيما احتج به الأوزاعي فوجدنا من حجته قول الله تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى) * قال على: هذا لا يوجب العتق لان الاحسان فرض إلى العبيد ولا يقتضى ذلك عتقهم فرضا ولو وجب ذلك في ابن العم. وابن الخال لوجب في كل مملوك لان الناس يجتمعون في أب بعد أب إلى آدم عليه السلام ولا يجوز أن يخص بهذا ابن العم. وابن الخال دون ابن ابن العم وابن ابن الخال وهكذا صعدا فبطل هذا القول بيقين، ثم نظرنا في قولنا فوجدنا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا عيسى بن محمد - هو أبو عمير الرملي - وعيسى ابن يونس الفاخوري عن ضمرة بن سعيد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ملك ذا رحم محرم عتق) فهذا خبر صحيح كل رواته ثقات تقوم به الحجة، وقد تعلل فيه الطوائف المذكورة بأن ضمرة انفرد به وأخطأ فيه فقلنا: فكان ماذا إذا انفرد به؟ ومتى لحقتم بالمعتزلة في أن لا تقبلوا ما رواه الواحد عن الواحد وكم خبر انفرد به راويه فقبلتموه وليتكم لا تقبلون ما انفرد به من لا خير فيه كابن لهيعة وجابر الجعفي وغيره فأما دعوى أنه أخطأ فيه فباطل لأنها دعوى بلا برهان وهذا موضع قبله الحنيفيون وقالوا به ولم يروا انفراد ضمرة به علة ثم أتوا إلى ما رويناه من طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق عبد وله مال فماله له الا أن يستثنيه
(٢٠٢)