أن الصدقة الجارية الباقي أجرها بعد الموت إما صدقة مطلقة فيما تجوز الصدقة به مما صح ملك المتصدق به عليه ولم يشترط فيها شرطا مفسدا، وإما صدقة موقوفة فيما يجوز الوقف فيه فصح أنه ليس في هذا الخبر حجة فيما يختلف فيه من الصدقات أيجوز أم لا كمن تصدق بصدقة لم يجزها المتصدق عليه وكمن تصدق في وصيته على وارث أو بأكثر من الثلث. ولا بمحرم كمن تصدق بخمر، أو خنزير وإنما فيه أن الصدقة الجائزة (1) المتقبلة يبقى أجرها بعد الموت فقط فبطل هذا القول جملة لتعريه من الأدلة وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: احتج من لم ير الحبس جملة بما روينا من طريق سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن أبي عون هو محمد بن عبيد الله الثقفي قال: قال لي شريح: جاء محمد باطلاق الحبس * وبما رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب أنه سمع شريحا وسئل فيمن مات وجعل داره حبسا؟ فقال: لا حبس عن فرائض الله * قال على: هذا منقطع بل الصحيح خلافه، وهو أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء باثبات الحبس نصا على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى فكيف وهذا اللفظ يقتضى أنه قد كان الحبس وقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بابطاله وهذا باطل يعلم بيقين لان العرب لم تعرف في جاهليتها الحبس الذي اختلفنا فيه إنما هو اسم شريعي وشرع اسلامي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء بالصلاة. والزكاة. والصيام ولولاه عليه الصلاة والسلام ما عرفنا شيئا من هذه الشرائع ولا غيرها فبطل هذا الكلام جملة، وأما قوله: لا حبس عن فرائض الله فقول فاسد لأنهم لا يختلفون في جواز الهبة والصدقة في الحياة والوصية بعد الموت وكل هذه مسقطة لفرائض الورثة عما لو لم تكن فيه لورثوه على فرائض الله عز وجل فيجب بهذا القول ابطال كل هبة وكل صدقة وكل وصية لأنها مانعة من فرائض الله تعالى بالمواريث، فان قالوا: هذه شرائع جاء بها النص قلنا: والحبس شريعة جاء بها النص ولولا ذلك لم يجز، واحتجوا بما رويناه (2) من طريق العقيلي نا روح بن الفرج نا يحيى بن بكير نا ابن لهيعة عن أخيه عيسى عن عكرمة عن ابن عباس لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حبس بعد سورة النساء) قال أبو محمد: هذا حديث موضوع وابن لهيعة لا خير فيه وأخوه مثله وبيان وضعه أن سورة النساء أو بعضها نزلت بعد أحد يعنى آية المواريث وحبس الصحابة بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خيبر وبعد نزول المواريث في سورة النساء وهذا أمر متواتر جيلا بعد جيل
(١٧٧)