الاكل نفسه هو الأفناء واللباس وهو الابلاء لان لكل لبسة حظها من الابلاء، فإذا تردد اللباس ظهر الابلاء فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وأيضا فان من قال: مالي هذا صدقة على فلان أو قال: قد تصدقت عليك بهذا الشئ أو قال: مالي هذا هبة لفلان أو قال:
قد وهبته لفلان فلا يختلف اثنان ممن يحسن اللغة العربية في أنه يقال: قد تصدق فلان بكذا على فلان وقد وهب له كذا (1) فلو لم تكن الصدقة كاملة تامة باللفظ لكان المخبر عنه بأنه تصدق أو وهب كاذبا فوجب حمل الحكم على ما توجبه اللغة ما لم يأت نص بحكم زائد لا تقتضيه اللغة فيوقف عنده ويعمل به، ويسأل المالكيون خاصة عمن قال: قد وهبت هذا الشئ لك أو قال: هذا الشئ هبة لك أو قال: قد تصدقت عليك بهذا. أو قال:
هذا صدقة عليك أتصدق ووهب بذلك الشئ أم لم يتصدق به ولا وهبه؟ ولا ثالث لهذا التقسيم، فان قالوا: نعم قد تصدق به ووهبه قلنا فإذ قد تصدق به ووهبه فقد تمت الصدقة والهبة وصحت فما يضرهما ترك الحيازة والقبض إذ لم يوجب ذلك نص، فان قالوا: لم يهب ولا تصدق قلنا: فمن أين استحللتم اجباره والحكم عليه بدفع مال من ماله لم يتصدق به عليه ولا وهبه إلى من لم يهبه له ولا تصدق به عليه؟ هذا عين الظلم والباطل، ولا مخلص لهم من أحدهما * وأما من دون الصحابة فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما والخلاف قد ورد في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم، وأيضا فأكثر تلك الأخبار إما لا تصح واما قد جاءت بخلاف ما تعلقوا به من ألفاظها واما قد خالقوا أولئك الصحابة فيما جاء عنهم كمجئ هذه الروايات أو بأصح على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى، وأما قياسهم الهبة. والصدقة على القرض. والوصية. والعارية فالقياس كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل، أما القرض فقد أبطلوا وهو لازم باللفظ ومحكوم به ولابد إذ لم يأت نص بخلاف هذا وإنما يبطل من القرض بعدم الاقباض مثل ما يبطل من الهبة. والصدقة سواء سواء، وليس ذلك الا ما كان في غير معين مثل أن يقول: قد أقرضتك عشرة دنانير من مالي. أو تصدقت عليك بعشرة دنانير من مالي. أو وهبتك عشرة دنانير من مالي فهذا كله لا يلزم لما ذكرنا قبل من أن كل ذلك لا يجوز الا في معين والا فليس واهبا لشئ ولا متصدقا بشئ ولا مقرضا لشئ، والقول في العارية كالقول فيما ذكرنا سواء سواء، ولو صح هذا القياس لكان حجة عليهم، وأيضا فان القرض يرجع فيه متى أحب والعارية كذلك ولا يرجع عندنا في الهبة ولا في الصدقة، وأيضا فان الصدقة والهبة. تمليك للرقبة بغير عوض والقرض تمليك للرقبة بعوض. والعارية