ليست تمليكا للرقبة أصلا، فبطل قياس بعض ذلك على بعض لاختلاف أحكامها، وليس قول من قال: اتفاق جميعها في أنها بر ومعروف فانا أقيس بعضها على بعض بأولى ممن قال (1) افتراقها في أحكامها ويجب أن لا يقاس بعضها على بعض وإذا كان الاتفاق يوجب القياس فالافتراق يبطل القياس والا فقد تحكموا بالدعوى بلا برهان، ويقال لهم: هلا قستم كل ذلك على النذر الواجب عندكم باللفظ وان لم يقبض فهو أشبه بالصدقة والهبة من العارية والقرض؟ وأما الوصية فقد كفونا مؤنة قياسهم عليها لأنهم لا يوجبون فيها الصحة بالقبض أصلا بل هي واجبة بالموت فقط، وقولهم: لا تجب باللفظ دون معنى آخر وهو الموت فتمويه بارد فاسد لان الموصى لم يوجب الوصية قط بلفظه بل إنما أوجبها بعد الموت فحينئذ وجبت بما أوجبها به فقط دون معنى آخر فظهر فساد قياسهم وبرده وغثاثته ومخالفته للحق والحمد لله رب العالمين * وأما الرواية عن الصحابة رضي الله عنهم فنبدأ بخبر أبي بكر: وعائشة رضي الله عنهما فنقول وبالله تعالى التوفيق: لما نص الحديث (2) انه نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلا يخلو ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما اما أن يكون أراد نخلا تجد منها عشرين وسقا واما أن يكون أراد تمرا يكون عشرين وسقا مجدودة لابد من أحدهما وأي الامرين كان فإنما هي عدة؟ ولا يلزم هذه القضية عندهم ولا عندنا لأنها ليست في معين من النخل ولا معين من التمر وقد تجد عشرين وسقا من أربعين نخلة وقد تجد من مائتي نخلة وقد لا تجد من نخلة بالغابة عشرون وسقا لعاهة تصيب الثمرة فهذا لا يتم الا حتى يعين النخل أو الأوساق في نخله فيتم حينئذ بالجداد والحيازة فليست هذه القصة من الهبة المعروفة المحدودة ولا من الصدقة المعلومة المتميزة في ورد ولا صدر ولكنهم قوم يوهمون في الاخبار ما ليس فيها، وأيضا فقد روى هذا الخبر من هو أجل من عروة وآخر هو مثل عروة بخلاف ما رواه عروة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبره أن أبا بكر الصديق قال لعائشة أم المؤمنين: يا بنية انى نحلتك نخلا من خيبر وانى أخاف أن أكون آثرتك على ولدى وانك لم تكوني احتزتيه فرديه على ولدى فقالت: (3) يا أبتاه لو كانت لي خيبر بجدادها لرددتها، فالقاسم ليس دون عروة، وابن أبي مليكة ليس دون ابن شهاب لأنه أدرك من الصحابة من لم يأخذ الزهري عنهم كأسماء. وابن عمر وغيرهما. وابن جريج ليس دون مالك، وهذه السياقة موافقة لقولنا لا لقولهم، فمن الباطل أن يكون ما رووه (4) مما لا يوافق قولهم بل يخالفه حجة لما لا يوافقه ولا يكون
(١٢٤)