أعني الإنسان سريع التغيير في باطنه كثير الخواطر يتقلب في باطنه في كل لحظة تقلبات مختلفة لأنه على الصورة الإلهية وهو سبحانه كل يوم في شأن فمن المحال ثبوت العالم زمانين على حالة واحدة بل يتغير عليه الأحوال والأعراض في كل زمان فرد وهو الشؤون التي هو الحق فيها لمن علم ما قال الله ولا يظهر سلطان ذلك إلا في باطن الإنسان فلا يزال يتقلب في كل نفس في صور تسمى الخواطر لو ظهرت إلى الأبصار لرأيت عجبا وأسرع الحركات الفلكية حركة هذا الفلك بكوكبه الذي هو القمر فهو أسرع سير في قطع فلك المنازل من غيره من السيارة وله في كل يوم منزلة فيقطع الفلك في ثمانية وعشرين يوما فكان ظهور الأثر في الكون سريعا لسرعة الحركة فناسب آدم في سرعة خواطره فأسكنه هذه السماء وجعل نسم بنيه عن يمينه ويساره أسودة يرى شخوصها أهل الكشف وعن يمينه عليون وعن يساره السفل فلا يخفى عنه من أحوال بنيه شئ واعلم أن هذه الحقيقة التي جعلته يسمى إنسانا مفردا هي في كل إنسان ولكن كانت في آدم أتم لأنه كان ولا مثل له ثم بعد ذلك انتشأت منه الأمثال فخرجت على صورته كما انتشأ هو من العالم ومن الأسماء الإلهية فخرج على صورة العالم وصورة الحق فوقع الاشتراك بين الأناسي في أشياء وانفرد كل شخص بأمر يمتاز به عن غيره كما هو العالم فبما ينفرد به الإنسان يسمى الإنسان المفرد وبما يشترك به يسمى الإنسان الكبير ولما كان آدم أبا البشر كانت منه رقيقة إلى كل إنسان ونسبة ولما كان هو من العالم ومن الحق بمنزلة بنيه منه كانت فيه رقيقة من كل صورة في العالم تمتد إليه لتحفظ عليه صورته ورقيقة من كل اسم إلهي تمتد إليه لتحفظ عليه مرتبته وخلافته فهو يتنوع في حالاته تنوع الأسماء الإلهية ويتقلب في أكوانه تقلب العالم كله وهو صغير الحجم لطيف الجرم سريع الحركة فإذا تحرك حرك جميع العالم واستدعى بتلك الحركة توجه الأسماء الإلهية عليه لترى ما أراد بتلك الحركة فتفضي في ذلك بحسب حقائقها ولم يكن في الأفلاك أصغر من فلك سماء الدنيا فأسكنه الله فيها للمناسبة ولصغر هذا الفلك كان أسرع دورة فناسب سرعة الخواطر التي في الإنسان فأسكنه فيه من حيث إنه إنسان مفرد خاصة لا من حيث اشتراكه ثم إنه جعل الله له من بنيه في كل سماء شخصا وهو عيسى ويوسف وإدريس وهارون ويحيى وموسى وإبراهيم عليهم السلام فهو ناطر إليهم في كل يوم بما هو أب لهم وهم ناظرون إليه من حيث ما هم في منازل معينة لا من حيث هم أبناء له وهذا الإنسان المفرد يقابل بذاته الحضرة الإلهية وقد خلقه الله من حيث شكله وأعضاؤه على جهات ستة ظهرت فيه فهو في العالم كالنقطة من المحيط وهو من الحق كالباطن ومن العالم كالظاهر ومن القصد كالأول ومن النش ء كالآخر فهو أول بالقصد آخر بالنشء وظاهر بالصورة وباطن بالروح كما أنه خلقه الله من حيث طبيعته وصورة جسمه من أربع فله التربيع من طبيعته إذ كان مجموع الأربعة الأركان وأنشأ جسده ذا أبعاد ثلاثة من طول وعرض وعمق فأشبه الحضرة الإلهية ذاتا وصفات وأفعالا فهذه ثلاث مراتب مرتبة شكله وهو عين جهاته ومرتبة طبيعته ومرتبة جسمه ثم إن الله جعل له مثلا وضدا وما ثم سوى هذه الخمسة واختص بالخمسة لأنه ليس في الأعداد من له الاسم الحفيظ إلا هي وهي تحفظ نفسها وغيرها بذاتها وهو قوله تعالى ولا يؤده حفظهما فثنى وهو قولنا تحفظ نفسها وغيرها فأما كونه ضدا فبما هو عاجز جاهل قاصر ميت أعمى أخرس ذو صمم فقير ذليل عدم وبما هو مثل ظهوره بجميع الأسماء الإلهية والكونية فهو مثل للعالم ومثل للحضرة فجمع بين المثليتين وليس ذلك لغيره من المخلوقين فهو حي عالم مريد قادر سميع بصير متكلم عزيز غني إلى جميع الأسماء الإلهية كلها والأسماء الكونية فله التخلق بالأسماء فله حالات خمس يقابل بها كل ما سواه بحسب ما ينظرون إليه إذ هو الكلمة الجامعة وأعطاه الله من القوة بحيث إنه ينظر في النظرة الواحدة إلى الحضرتين فيتلقى من الحق ويلقي إلى الخلق فمنهم الناظر إليه من حيث شكله فيمده من ذلك المقام بأمور خاصة تختص بالشكل ومنهم الناظر إليه من حيث طبيعته فيمده من ذلك المقام بأمور خاصة تختص بالطبع كما يمده الحق في شكله من اسمه المحيط وفي طبيعته من حياته وعلمه وإرادته وقدرته ومنهم من ينظر إليه من حيث جسمه فيمده من ذلك المقام بأمور خاصة تختص بالجسم كما يمده الحق من حضرته بما يظهر في ذاته وصفاته وأفعاله ومنهم الناظر إليه كفا حالا منازعة فيمده من ذلك المقام بأمور خاصة تختص بالمكافحة كما يمده الحق من اسمه البعيد والمعز إن كان ذليلا والمذل إن كان
(٤٤٦)