بالخطاب والمراد به هم فأسمعهم في غيرهم وأما فائدة العلم في ذلك فهي إن تقول لما علم الله أن قوما لا يؤمنون ارتفعت الفائدة في خطابهم وكان خطابهم عبثا فأخبرهم الله تعالى أن نزول الخطاب بالدعوة لمن ليس يقبله في علم الله أنه إنما أنزل بعلم الله أي سبق في علم الله إنزاله فلا بد من إنزاله لأن تبدل المعلوم محال كما قال ما يبدل القول لدي لأنه سبق في علم الله أن تكون خمس صلوات في العمل وخمسون في الأجر فما زال يحط من الخمسين بعلم الله إلى أن انتهى إلى علم الله بإثبات الخمس فنع النقص من ذلك وقال ما يبدل القول لدي وهكذا يكون الله علمه في الأشياء سابق لا يحدث له علم بل يحدث التعلق لا العلم ولو حدث العلم لم تقع الثقة بوعده لأنا لا ندري ما يحدث له فإن قلت فهذا أيضا يلزم في الوعيد قلنا كذا كنا نقول ولكن علمنا أنه ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه وبما تواطئوا عليه من كل ما هو محمود فيعاملهم بذلك في شرعهم كذا سبق علمه وهذا لسان عربي مبين ومما يتمدح به أهل هذا اللسان بل هو مدح في كل أمة التجاوز عن إنفاذ الوعيد في حق المسئ والعفو عنه والوفاء بالوعد الذي هو في الخير وهو الذي يقول فيه شاعر العرب وإني إذا أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي فكان إنزال الوعيد بعلم الله الذي سبق بإنزاله ولم يكن في حق قوم إنفاذه في علم الله ولو كان في علم الله لنفذ فيهم كما ينفذ الوعد الذي هو في الخير لأن الإيعاد لا يكون إلا في الشر والوعد يكون في الخير وفي الشر معا يقال أوعدته في الشر ووعدته في الشر والخير وقال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فمما بين لهم تعالى التجاوز عن السيئات في حق من أساء من عباده والأخذ بالسيئة من شاء من عباده ولم يفعل ذلك في الوعد بالخير فأعلمنا ما في علمه فكما هو واحد في ألوهيته هو واحد في أمره فما أنزل إلا بعلم الله سواء نفذ أو لم ينفذ (التوحيد الرابع عشر) من نفس الرحمن وهو قوله وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب هذا توحيد الرجعة وهو توحيد الهوية أخبر أنهم يكفرون بالرحمن لأنهم جعلوا هذا الاسم إذ لم يكن عندهم ولا سمعوا به قبل هذا فلما قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن فزادهم هذا الاسم نفورا فإنهم لا يعرفون إلا الله الذين يعبدون الشركاء ليقربوهم إلى الله زلفى ولما قيل لهم اعبدوا الله لم يقولوا وما الله وإنما أنكروا توحيده وقد نقل إنهم كانوا يعرفونه مركبا الرحمن الرحيم اسم واحد كبعلبك ورام هرمز فلما أفرده وبغير نسب أنكروه فإنه يقال في النسب بعلى فقال لهم الداعي الرحمن هو ربي ولم يقل هو الله وهم لا ينكرون الرب ولما كان الرحمن له النفس وبالنفس حياتهم فسره بالرب لأنه المغذي وبالغذاء حياتهم فلا يفرقون من الرب ويفرقون من الله ولهذا عبدوا الشركاء ليشفعوا لهم عند الله إذ بيده الاقتدار الإلهي والأخذ الشديد وهو الكبير عندهم المتعالي فهم معترفون مقرون به فتلطف لهم بالعبارة بالاسم الرب ليرجعوا فهو أقرب مناسبة بالرحمن قال لموسى وهارون قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى والترجي من الله واقع كما قالوا في عسى فإنهما كلمتا ترج ولم يقل لهما لعله يتذكر أو يخشى في ذلك المجلس ولا بد ولا خلصه للاستقبال الأخراوي فإن الكل يخشونه في ذلك الموطن فجاء بفعل الحال الذي يدخله الاحتمال بين حال الدنيا وبين استقبال التأخير للدار الآخرة وذلك لا يكون مخلصا للمستقبل إلا بالسين أو سوف فالذي ترجى من فرعون وقع لأن ترجيه تعالى واقع فآمن فرعون وتذكر وخشي كما أخبر الله وأثر فيه لين قول موسى وهارون ووقع الترجي الإلهي كما أخبر فهذا يدلك على قبول إيمانه لأنه لم ينص إلا على ترجى التذكر والخشية لا على الزمان إلا أنه في زمان الدعوة ووقع ذلك في زمان الدعوة وهو الحياة الدنيا وأمر نبيه أن يقول بحيث يسمعون قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت في أمركم وإليه متاب أي مرجعي في أمركم عسى يهديكم إلى الايمان فما أغلظ لهم بل هذا أيضا من القول اللين لتتوفر الدواعي من المخاطبين للنظر فيما خاطبهم به إذ لو خاطبهم بصفة القهر وهو غيب لا عين له في الوقت إلا مجرد إغلاظ القول لنفرت طباعهم وأخذتهم حمية الجاهلية لمن نصبوهم آلهة فأبقى عليهم وهو قوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ولم يقل للمؤمنين وكان سبب نزولها أن دعا على رعل وذكوان وعصية شهرا كاملا في كل صلاة بأن يأخذهم الله فعتبه الله في ذلك وفيه تنبيه على رحمة الله بعباده لأنهم على كل حال عباده معترفون به معتقدون لكبريائه طالبون القربة إليه لكنهم جهلوا طريق القربة ولم يوفوا النظر
(٤١١)