وما كل حادث يقال فيه إنه لا يخلو عن الحوادث فهذا حكم أعم من العلة فالنتيجة صحيحة ثم الاستفصال في تصحيح المقدمتين معلوم الطريق في ذلك وإنما قصدنا التمثيل لا معرفة حدوث الأجسام ولا غيرها وإذا علمت أن الإيجاد لا يصح إلا على ما قررناه وهو بمنزلة السر في النكاح ينتقل إلى العلم بما هو أخفى من السر كما تنتقل مما ضربت لك به المثل إلى كون الحق أوجد العالم على هذا المساق وظهر العالم عن ذات موصوفة بالقدرة والإرادة فتعلقت الإرادة بإيجاد موجود ما وهو التوجه مثل اجتماع الزوجين فنفذ الاقتدار فأوجد ما أراد فكان أخفى من السر لجهلنا بنسبة هذا التوجه إلى هذه الذات ونسبة الصفات إليها لأنها مجهولة لنا لا تعرف فيعرف التوجه والصفة من حيث عينه وعين الصفة ويجهل كيفية النسبة لجهلنا بالمنسوب إليه لا بالمنسوب فهذا توحيد الموجد للأشياء مع كثرة النسب فهو واحد في كثير فأوقع الحيرة هذا العلم في هذا المعلوم إلا لمن كشف الله عن عينه غطاء الستر فأبصر الأمر على ما هو عليه فحكم بما شاهد واختلفوا هل يجوز وقوع مثل هذا أو لا يجوز (التوحيد السابع عشر) من نفس الرحمن هو قوله وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني هذا توحيد الاستماع وهو توحيد الإنابة وقوى بالجمع إذ قد قرئ وأنا اخترناك فكثر ثم أفرد فقال إنني وإن كلمة تحقيق فالإنية هي الحقيقة ولما كان حكم الكناية بالياء يؤثر في صورة الحقيقة نظرت من في الوجود على صورتها فوجدت نونا من النونات فقالت لها قني بنفسك من أجل كناية الياء لئلا تؤثر في صورة حقيقتي فيشهد الناظر والسامع التغيير في الحقيقة أن الياء هي عين الحقيقة فجاءت نون الوقاية فحالت بين الياء ونون الحقيقة فأحدثت الياء الكسر في النون المجاورة لها فسميت نون الوقاية لأنها وقت الحقيقة بنفسها فبقيت الحقيقة على ما كانت عليه لم يلحقها تغيير فقال إنني أنا الله ولولا نون الوقاية لقال إني أنا الله فغيرها وتغيير الحقيقة بالضمير في الآن هو مقام تجليه في الصور يوم القيامة وما ثم إلا صورتان خاصة لا ثالثة لهما صورة تنكر وصورة تعرف ولو كان ما لا يتناهى من الصور فإنها محصورة في هذا الحكم إما أن تنكر أو تعرف لا بد من ذلك فإذا قرئ وأنا اخترتك كان أحق بالآية وأنسب وأنفى للتغيير فإنه ما زال التوحيد يصحبها إلى آخر الآية في قوله فاعبدني وإذا قرئ بالجمع ظهر التغير بالانتقال في العين الواحدة من الكثير إلى الواحد فمساق الآية يقوي وأنا اخترناك لأنه عدد أمورا تطلب أسماء مختلفة فلا بد من التغيير والتجلي في كل صورة يدعى إليها وكان جملة ما تحصل من الصور في هذه الواقعة لموسى على ما روى اثنتي عشرة ألف صورة يقول له في كل صورة يا موسى ليتنبه موسى على أنه لو أقيم لصورة واحدة لا تسق الكلام ولم يقل في كل كلمة يا موسى فاعلم ذلك فإن هذا التوحيد في هذه الآية من أصعب ما يكون لقوله وأنا اخترناك فجمع ثم أفرد ثم عدد ما كلم به موسى ع فهذا توحيد الجمع على كل قراءة غير أن قوله وأنا اخترناك قرأ بها حمزة على رب العزة في المنام فقال له ربه وأنا اخترناك فهي قراءة برزخية فلهذا جمع لأنه تجل صوري في منام فلا بد أن تكون القراءة هكذا فإذا أفردتها بعد الجمع فلأحدية الجمع لا غير (التوحيد الثامن عشر) من نفس الرحمن هو قوله إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ علما هذا توحيد السعة من توحيد الهوية وهو توحيد تنزيه لئلا يتخيل في سعته الظرفية للعالم من أجل الاسم الباطن والظاهر ونفس الرحمن والكلمات التي لا تنفد والقول فقال إن سعته علمه بكل شئ لا أنه طرف لشئ وسبب هذا التوحيد لما جاء في قصة السامري وقوله عن العجل لما نبذ فيه ما قبضه من أثر الرسول فكان العجل ظرفا لما نبذ فيه فلما خار العجل قال هذا إلهكم وإله موسى فقال الله إنما إلهكم إله واحد لا تركيب فيه وسع كل شئ علما أي هو عالم بكل شئ أكذب السامري في قوله ثم نصب لهم الدلالة على كذب السامري مع كون العجل خار فقال مثل ما قال إبراهيم في الأصنام أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا أي إذا سئل لا ينطق والله يكون متصفا بالقول ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا أي لا ينتفعون به لأنه قال لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ومن لا يدفع الضرر عن نفسه كيف يدفع عن غيره وإذا حرقه ونسفه لم ينتفع به فإنه لو أبقاه دخلت عليهم الشبهة بما يوجد في الحيوان من الضرر والنفع وفي إقامة هذه الأدلة أمور كبار قال تعالى عن اليهود إنهم قالوا يد الله مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وقال إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وأصمنا عن إدراك هذا القول
(٤١٣)