والقسمة لم تدخل في الوجود فلا تتصف بالتناهي وهؤلاء هم الذين أنكروا الجوهر الفرد الذي هو الجزء الذي لا ينقسم وكذلك العماء وإن كان موجودا فتفاصيل صور العالم فيه على الترتيب دنيا وآخرة غير متناه التفصيل وذلك أن النفس الرحماني من الاسم الباطن يكون الإمداد له دائما والذكر له في الإجمال دائما فهو في العالم كآدم في البشر ولما علم آدم الأسماء كلها أعلمنا بهذا أن العماء من حيث ما هو نفس رحماني قابل لصور حروف العالم وكلماته هو حامل الأسماء كلها وكلمات الله ما تنفد فذكر الله لا ينقطع والرحمن يذكر الله بأسمائه وهو أيضا مسمى بها فله الأسماء الحسنى ويذكر نفسه من كونه متكلما ومفصلا فذكر الرحمن مجمل وذكر الله مفصل (الفصل الثاني) في كلام الله وكلماته الكلام والقول نعتان لله فبالقول يسمع المعدوم وهو قوله تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردنا أن نقول له كن وبالكلام يسمع الموجود وهو قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما وقد يطلق الكلام على الترجمة في لسان المترجم وينسب الكلام إلى المترجم عنه في ذلك فالقول له أثر في المعدوم وهو الوجود والكلام له أثر في الموجود وهو العلم والموصوف بالتبديل في قوله يحرفونه من بعد ما عقلوه وقوله ويريدون أن يبدلوا كلام الله هو في الترجمة فإنها تقبل التبديل والمعاني تابعة للكلام فلا يفهم من الأمر الذي حرف به وبدل المعنى الذي يفهم من الأصل ولذلك ألحق التبديل والتحريف بالأصل وإن كان لا يقبل التحريف ولا التبديل لأنه كلام إلهي لا يحكى ولا يوصف بالوصف الذاتي فإذا وقع التجلي في أي صورة كانت فلا يخلو أن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام في العرف أو لا تكون فإن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام فكلامها من جنس الكلام المنسوب إليها لحكم الصورة على التجلي مثل قوله علمنا منطق الطير وقالت نملة وإن كان مما لا ينسب إليه الكلام في العرف فلا يخلو إما أن تكون ممن ينسب إليها القول بالإيمان مثل قوله هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وقوله قالتا آتينا طائعين وقوله يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وقوله قالوا أنطقنا الله وإما أن لا تكون ممن نسب إليه قول ولا نطق وهو الذي نسب إليه التسبيح الذي لا يفقه وما قال لا يسمع إذ الكلام أو القول هو الذي من شأنه أن يتعلق به السمع والتسبيح لو كان قولا أو كلاما لنفى عنه سمعنا وإنما نفى عنه فقهنا وهو العلم والعلم قد يكون عن كلام وقول وقد لا يكون فإذا تجلى في مثل هذه الصور فيكون النطق بحسب ما يريده المتجلي مما يناسب تسبيح تلك الصورة لا يتعداه فيفهم من كلام ذلك المتجلي تسبيح تلك الصورة وهو علم عجيب قليل من أهل الله من يقف عليه فيكون الكلام المنسوب إلى الله عز وجل في مثل هذه الصور بحسب ما هي عليه هذا إذا وقع التجلي في المواد النورية والطبيعية فإن وقع التجلي في غير مادة نورية ولا طبيعية وتجلى في المعاني المجردة فيكون ما يقال في مثل هذا إنه كلام فمن حيث أثره في المتجلي له لا من حيث إنه تكلم بكذا وتلك الآثار كلها من طبقات الكلام الذي تقدم تسمى كلمات الله جمع كلمة وهي أعيان الكائنات قال تعالى وكلمته ألقاها إلى مريم وهو عين عيسى لم يلق إليها غير ذلك ولا علمت غير ذلك فلو كانت الكلمة الإلهية قولا من الله وكلاما لها مثل كلامه لموسى ع لسرت ولم تقل يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فلم تكن الكلمة الإلهية التي ألقيت إليها إلا عين عيسى روح الله وكلمته وهو عبده فنطق عيسى ببراءة أمه في غير الحالة المعتادة ليكون آية فكان نطقه كلام الله في نفس الرحمن فنفس الله عن أمه بذلك ما كان أصابها من كلام أهلها بما نسبوها إليه مما طهرها الله عنه ومن هنا قالت المعتزلة إن المتكلم من خلق الكلام وفيما ليس من شأنه أن يتكلم فذلك كلام الله مثل الجماد والنبات وحالة عيسى إلا القائلين بالشكل الغريب فيجعلون مثل هذا من الأشكال الحادثة في الكون فقد بينا لك معنى كلام الله وكلماته وكلام الله تعالى علمه وعلمه ذاته ولا يصح أن يكون كلامه ليس هو فإنه كان يوصف بأنه محكوم عليه للزائد على ذاته وهو لا يحكم عليه عز وجل وكل ذي كلام موصوف بأنه قادر على أن يتكلم متمكن في نفسه من ذلك والحق لا يوصف بأنه قادر على أن يتكلم فيكون كلامه مخلوقا وكلامه قديم في مذهب الأشعري وعين ذاته في مذهب غيره من العقلاء فنسبة الكلام إلى الله مجهولة لا تعرف كما أن ذاته لا تعرف ولا يثبت الكلام للإله إلا شرعا ليس في قوة العقل إدراكه من حيث فكره فافهم أن النفس للرحمن والكلام لله والقول وهو
(٤٠٠)