لا بلسان رسوله بل بلسان رسالته جازاه مجازاة إلهية لا تعرف يدخل تحت قوله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر انتهى الجزء التاسع عشر ومائة (بسم الله الرحمن الرحيم) (التوحيد العاشر) من نفس الرحمن قوله وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون هذا توحيد الأمر بالعبادة وهو من أعجب الأمور كيف يكون الأمر فيما هو ذاتي للمأمور فإن العبادة ذاتية للمخلوقين ففيم وقع الأمر بالعبادة فأما في حق المؤمنين فأمرهم إن يعبدوه من حيث أحدية العين لما قال في حق طائفة قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى فما هي هذه الطائفة التي أمرت أن تعبد إلها واحدا فلا تنظروا في الأسماء الإلهية من حيث ما تدل على معان مختلفة فتتعبدهم معانيها فتكون عبادتهم معلولة حيث رأوا أن كل حقيقة منهم مرتبطة بحقيقة إلهية يتعلق افتقارها القائم بها إليها وهي متعددة فإن حقيقة الطلب للرزق إنما تعبد الرزاق وحقيقة الطلب للعافية إنما تعبد الشافي فقيل لهم لا تعبدوا إلا إلها واحدا وهو أن كل اسم إلهي وإن كان يدل على معنى يخالف الآخر فهو أيضا يدل على عين واحدة تطلبها هذه النسب المختلفة وأما من حمل العبادة هنا على الأعمال فلا معرفة له باللسان فالعمل صورة والعبادة روح لتلك الصورة العملية التي أنشأها المكلف وأما غير المؤمنين وهم المشركون فهم الذين نسبوا الألوهة إلى غير من يستحقها ووضعوا اسمها على غير مسماها وادعوا الكثرة فيها كما ادعوا الكثرة في الإنسانية فدعواهم فيها صحيحة وما عرفوا بطلانها في الإلهية ولذلك تعجبوا من توحيدها فقالوا اجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب وما علموا إن جعل الألوهة في الكثيرين أعجب فقيل لهم وإن كنتم ما عبدتم كل من عبدتموه إلا بتخيلكم إن الألوهة صفته فما عبدتم غيرها ليس الأمر كذلك فإنكم شهدتم على أنفسكم إنكم ما تعبدونها إلا لتقربكم إلى الله زلفى فأقررتم مع شرككم إن ثم إلها كبيرا هذه الآلهة خدمتكم إياها تقربكم من الله فهذه دعوى بغير برهان وهو قوله ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به وهذه أرجى آية للمشرك عن نظر جهد الطاقة وتخيله في شبهه أنها برهان فيقوم له العذر عند الله فإذ وقد اعترفوا أنهم عبدوا الشريك ليقربهم إلى الله زلفى فتح القائل على نفسه باب الاعتراض عليه بأن يقال له ومن أين علمتم إن هذه الحجارة أو غيرها لها عند الله من المكانة بحيث أن جعلها معبودة لكم كما قال فاسألوهم إن كانوا ينطقون فالذين عبدوا من ينطق ويدعي الألوهة أقرب حالا من عبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا وهذا قول إبراهيم لأبيه وهو الذي قال فيه تعالى وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه وأبوه من قومه وهذه وغيرها من الحجة التي أعطاه الله فأمرهم الله أن لا يعبدوا إلا إلها واحدا لا إله إلا هو في نفس الأمر سبحانه أي هو بعيد أن يشرك في ألوهته فهذا توحيد الأمر (التوحيد الحادي عشر) من نفس الرحمن قوله فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم هذا توحيد الاستكفاء وهو من توحيد الهوية لما قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره فمنا من قال لولا إن الله قد علم إن لنا مدخلا صحيحا في إقامة ما كلفنا من البر والتقوى ما أحالنا علينا ومنا من قال التعاون الذي أمرنا به على البر والتقوى أن يرد كل واحد منا صاحبه إلى ربه في ذلك ويستكفي به فيما كلفه وهو قوله واستعينوا بالله خطاب تحقيق واستعينوا بالصبر والصلاة خطاب ابتلاء فإذا سمع القوم اللذين قالوا إن لنا مدخلا محققا في العمل ولهذا أمرنا بالتعاون ما قاله من جعله خطاب ابتلاء أو حمله على الرد إلى الله في ذلك لما علمنا أن نقول وإياك نستعين واستعينوا بالله وهو قول موسى لقومه مع أنهم ما طلبوا معونة الله إلا وعندهم ضرب من الدعوى ولكن أعلى من أصحاب المقام الأول وأقرب إلى الحق فتولوا عنهم في هذا النظر ولم يقولوا به فكيف حالهم مع من هو مشهده وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه فقال تعالى لهم فإن تولوا عما دعوتموهم إليه فقل حسبي الله أي في الله الكفاية لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام
(٤٠٩)