لما صدقت هذه النسبة وهو الصادق فإنه ما أضاف التصوير إلى غيره فقال كيف يشاء أي كيف أراد فظهر في هذه الكيفية أن مشيئته تقبل الكيفية مع نعته بالعزة ثم بالحكمة والحكيم هو المرتب للأشياء التي أنزلت منازلها فالتصوير يستدعيه إذ كان هو المصور لا الملك مع العزة التي تليق بجلاله فحير العقول السليمة التي تعرف جلاله وأما أهل التأويل فما حاروا ولا أصابوا أعني في خوضهم في التأويل وإن وافقوا العلم فقد ارتكبوا محرما عليهم يسألون عنه يوم القيامة هم وكل من تكلم في ذاته تعالى ونزهة عما نسبه إلى نفسه ورجح عقله على إيمانه وحكم نظره في علم ربه ولم يكن ينبغي له ذلك وهو قوله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له وذكر بعض ما كذبه فيه لا كله وأبقى له ضربا من الرجاء حيث أضافه إليه في الحديث الذي يقول فيه عبدي فإن قال ابن آدم وهو الأصح في الرواية فأبعده عن نفسه وأضافه إلى ظاهر آدم ع لأن المعصية بالظاهر وقعت وهو القرب من الشجرة والأكل ونسي ولم يجد له عزما وهو عمل الباطن فبرأ باطنه منها وكان عند الله وجيها مجتبى كما قال تعالى (التوحيد الخامس) من نفس الرحمن وهو قوله شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط هذا توحيد الهوية والشهادة على الاسم المقسط وهو العدل في العالم وهو قوله أعطى كل شئ خلقه فوصف نفسه بإقامة الوزن في التوحيد أعني توحيد الشهادة بالقيام بالقسط وجعل ذلك للهوية وكان الله الشاهد على ذلك من حيث أسماؤه كلها فإنه عطف بالكثرة وهو قوله والملائكة وأولوا العلم فعلمنا حيث ذكر الله ولم يعين اسما خاصا إنه أراد جميع الأسماء الإلهية التي يطلبها العالم بالقسط إذ لا يزن على نفسه فلم يدخل تحت هذا إلا ما يدخل في الوزن فهذا توحيد القسط وقد روينا في ذلك حديثا ثابتا وهو ما حدثناه يونس بن يحيى عن أبي الوقت عبد الأول الهروي عن ابن المظفر الداودي عن أبي محمد الحموي عن الفربري عن البخاري عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله ص قال قال الله عز وجل أنفق أنفق عليك وقال يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع خرجه مسلم أيضا عن أبي هريرة وقال يمينه لم يقل يده وقال بيده الأخرى وهو حديث صحيح فإذا قام العبد بالقسط في تهليل ربه صدقه ربه فقال مثل قوله فهذا من تزكية الله عبده حدثنا غير واحد منهم ابن رستم مكين الدين أبو شجاع الأصفهاني إمام المقام بالحرم المكي الشريف وعمر بن عبد المجيد الميانشي عن أبي الفتح الكرخي عن الترياقي أبي نصر عن عبد الجبار بن محمد عن المحبوبي عن أبي عيسى الترمذي عن سفيان بن وكيع عن إسماعيل بن محمد عن جحادة عن عبد الجبار بن عباس عن الأغر أبي مسلم قال أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على النبي ص قال من قال لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه وقال لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال لا إله إلا الله وحده قال يقول الله لا إله إلا أنا وأنا وحدي وإذا قال لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال الله لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قال الله لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي وكان يقول من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار فمن أعطى الحق من نفسه لربه ولغيره ولنفسه من نفسه بإقامة الوزن على نفسه في ذلك فلم يترك لنفسه ولا لغيره عليه حقا جملة واحدة قام في هذا المقام بالقسط الذي شهد به لربه فإنها شهادة أداء الحقوق من يكتمها فإنه آثم قلبه وما كان له من حق تعين له عند غيره أسقطه ولم يطالب به إذ كان له ذلك فوقع أجره على الله ثم يؤيد ما ذكرناه في إعطاء الحق في هذه الشهادة قوله بعد قوله قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم فشهد الله لنفسه بتوحيده وشهد لملائكته وأولي العلم أنهم شهدوا له بالتوحيد فهذا من قيامه بالقسط وهو من باب فضل من أتى بالشهادة قبل أن يسألها فإن الله شهد لعباده أنهم شهدوا بتوحيده من قبل أن يسأل منه عباده ذلك وبين في هذه الآية أن الشهادة لا تكون إلا عن علم لا عن غلبة ظن ولا تقليد إلا تقليد معصوم فيما يدعيه فتشهد له بأنك على علم كما نشهد نحن على الأمم أن أنبياءها بلغتها دعوة الحق ونحن ما كنا في زمان التبليغ ولكنا صدقنا الحق فيما أخبرنا به في كتابه عن نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب ليكة وقوم موسى وشهادة خزيمة وذلك لا يكون إلا لمن هو في إيمانه على علم بمن آمن به لا على تقليد وحسن ظن فاعلم ذلك
(٤٠٧)