الرحماني وهي كلمات الحق كما نفس الله عن يونس بالخروج من بطن الحوت فعامل قومه بما عاملهم به من كونه كشف عنهم العذاب بعد ما رأوه نازلا بهم فآمنوا أرضاه الله في أمته فنفعها إيمانها ولم يفعل ذلك مع أمة قبلها إذ كان غضبه لله ومن أجله وظنه بربه أنه لا يضيق عليه وكذلك فعل ففرج الله عنه بعد الضيق ليعلم قدر ما أنعم الله به عليه ذوقا كما قيل أحلى من الأمن عند الخائف الوجل فدل على أن يونس كان محبوبا لله حيث خص قومه من أجله بما لم يخص به أمة قبلها وعرفنا بذلك فقال فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين فأمد لهم في التمتع في مقابلة ما نالوه من الألم عند رؤية العذاب فإنه معلوم من النفوس الإنسانية أن ليالي الأنس والوصال قصار وإن كانت في نفس الأمر لها مدة طويلة وليالي الهجران والعذاب طوال وإن كانت في نفس الأمر قصارى كما ذكروا في تفسير أيام الدجال أنه أول يوم كسنة لشدة فجأة البلاء يطول عليهم ثم كشهر ثم كجمعة فإذا استصحبوه كان كسائر الأيام المعلومة التي لا يطولها حال ولا يقصرها حال وكما قيل في يوم القيامة إن مقداره خمسون ألف سنة لهول المطلع وما يرى الخلق فيه من الشدة وهو عند الآمنين الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر في الامتداد كركعتي الفجر وأين زمان ركعتي الفجر من زمان خمسين ألف سنة فلما اشتد البلاء على قوم يونس وكانت اللحظة الزمانية عندهم في وقت رؤية العذاب كالسنة أو أطول ذكر أنه تعالى جعل في مقابلة هذا الطول الذي وجدوه في نفوسهم إن متعهم إلى حين فبقوا في نعيم الحياة الدنيا زمانا طويلا لم يكن يحصل لهم ذلك لولا هذا البلاء فانظر ما أحسن إقامة الوزن في الأمور وقد قيل إن الحين الذي جعله غاية تمتعهم أنه القيامة والله أعلم ورأينا من رأى منهم رجلا رأينا أثر رجله في الساحل وكان أمامي بقليل فلم ألحقه فأكتلت طول قدمه في الرمل ثلاثة أشبار وثلثي شبر وكان من قوم يونس وبعث إلينا بكلام عن حوادث تحدث بالأندلس حيث كنا سنة خمس وثمانين وسنة ست وثمانين وخمسمائة فما ذكر شيئا إلا رأيناه وقع كما ذكر فانظر في هذه العناية الإلهية بهذا النبي وما جاء به من الاعتراف في توحيده (التوحيد الحادي والعشرون) من نفس الرحمن فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم هذا توحيد الحق وهو توحيد الهوية قال تعالى ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين وهو قوله أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا فلا إله إلا هو من نعت الحق فالأمر الذي ظهر فيه وجود العالم هو الحق وما ظهر إلا في نفس الرحمن وهو العماء فهو الحق رب العرش الذي أعطاه الشكل الإحاطي لكونه بكل شئ محيطا فالأصل الذي ظهر فيه صور العالم بكل شئ من عالم الأجسام محيط وليس إلا الحق المخلوق به فكأنه لهذا القبول كالظرف يبرز منه وجود ما يحوي عليه طبقا عن طبق عينا بعد عين على الترتيب الحكمي فأبرز ما كان فيه غيبا ليشهده فيوحده مع صدوره عنه فيحار إن عدده فما ثم غيره وإن وحده فيرى إن عينه ليس هو فأوجد طرفين وواسطة لتميز الأعيان في العين الواحدة فتعددت الصور وما تعددت الخشبية ولا العودية فالعودية في كل صورة بحقيقتها من غير تبعيض وهذه الصورة ما هي هذه الصورة وليس ثم شئ زائد على العودية فقيل ما ثم شئ فقال وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ما خلقناهما إلا بالحق قيل فأين هو قال في عين التمييز فلا أقدر على إنكار التمييز ولا أقدر أثبت سوى عين واحدة فلا إله إلا هو رب العرش الكريم (التوحيد الثاني والعشرون) من نفس الرحمن هو قوله الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم هذا توحيد الخب ء وهو من توحيد الهوية لما كان الخب ء النباتي تخرجه الشمس من الأرض بما أودع الله فيها من الحرارة ومساعدة الماء بما أعطى الله فيه من الرطوبة فجمع بين الحرارة ومنفعل البرودة حتى لا تستقل الشمس بالفعل فظهرت الحياة في الحي العنصري وكان الهدهد دون الطير قد خصه الله بإدراك المياه كان يرى للماء السلطنة على بقية العناصر تعظيما لنفسه وحماية لمقامه حيث اختص بعلمه ليشهد له بالعلم بأشرف الأشياء حيث كان العرش المستوي عليه الرحمن على الماء فكان يحامي عن مقامه ووجد قوما يعبدون الشمس وهي على النقيض من طبع الماء الذي جعل الله منه كل شئ حي وعلم أنه لولا حرارة الشمس ما خرج هذا الخب ء وأنها مساعدة للماء فأدركته العيرة في المنافر فوشى إلى سليمان ع بعابديها وزاد للتغليظ بقوله من دون الله ينبهه على موضع الغيرة والشمس وإن أخرجت خب ء الأرض بحرارتها فهي تخبأ الكواكب
(٤١٥)