فاستكف بالله الذي هو رب مثل هذا العرش ومن كان الله حسبه انقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء وجاء في ذلك بما يرضى الله والله ذو فضل عظيم على من جعله حسبه والفضل الزيادة أي ما يعطيه على موازنة عمله بل أزيد من ذلك مما يعظم عنده إذا رآه ذوقا ومن أعجب ما رأيت من بعض الشيوخ من أهل الله ممن كان مثل أبي يزيد في الحال وربما أمكن منه فيه فقعدت مع هذا الشخص يوما بجامع دمشق وهو يذكر لي حاله مع الله وما يجري له معه في وقائعه فقال لي إن الحق ذكر له عظم ملكه قال الشيخ فقلت له يا رب ملكي أعظم من ملكك فقال لي كيف تقول وهو أعلم فقلت له يا رب لأن مثلك في ملكي فإنك لي تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك وما في ملكك مثلك قال فقال لي صدقت وما رأيت أحدا ذهب إلى ما يقارب هذا المذهب أو هو هو سوى محمد بن علي الترمذي الحكيم فإنه يقول في هذا المقام مقام ملك الملك وقد شرحناه في مسائل الترمذي في هذا الكتاب التي سأل عنها أهل الله في كتاب ختم الأولياء ثم بكى هذا الشيخ أدبا مع الله ويقول يا أخي هو يجزئني عليه ويباسطني فكنت أقول له إذا كان يفرح بتوبة عبده كما قاله عنه رسوله ص فكيف يكون نظره إلى العارفين به (التوحيد الثاني عشر) من نفس الرحمن هو قوله حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل هذا توحيد الاستغاثة وهو توحيد الصلة فإنه جاء بالذي في هذا التوحيد وهو من الأسماء الموصولة وجاء بهذا ليرفع اللبس عن السامعين كما فعلت السحرة لما آمنت برب العالمين فقالت رب موسى وهارون لرفع اللبس من أذهان السامعين ولهذا توعدهم ثم تمم وقال وأنا من المسلمين لما علم إن الإله هو الذي ينقاد إليه ولا ينقاد هو لأحد قال على ابن أبي طالب أهللت بما أهل به رسول الله ص وهو لا يعرف بما أهل به فقيل منه مع كونه أهل على غير علم محقق فأحرى إذا كان على علم محقق فاعلم بذلك فرعون ليعلم قومه برجوعه عما كان ادعاه فيهم من أنه ربهم الأعلى فأمره إلى الله فإنه آمن عند رؤية البأس وما نفع مثل ذلك الايمان فرفع عنه عذاب الدنيا إلا قوم يونس ولم يتعرض للآخرة ثم إن الله صدقه في إيمانه بقوله الآن وقد عصيت قبل فدل على إخلاصه في إيمانه ولو لم يكن مخلصا لقال فيه تعالى كما قال في الأعراب الذين قالوا آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم فقد شهد الله لفرعون بالإيمان وما كان الله ليشهد لأحد بالصدق في توحيده إلا ويجازيه به وبعد إيمانه فما عصى فقبله الله إن كان قبله طاهرا والكافر إذا أسلم وجب عليه إن يغتسل فكان غرقه غسلا له وتطهيرا حيث أخذه الله في تلك الحالة نكال الآخرة والأولى وجعل ذلك عبرة لمن يخشى وما أشبه إيمانه إيمان من غرغر فإن المغرغر موقن بأنه مفارق قاطع بذلك وهذا الغرق هنا لم يكن كذلك لأنه رأى البحر يبسا في حق المؤمنين فعلم أن ذلك لهم بإيمانهم فما أيقن بالموت بل غلب على ظنه الحياة فليس منزلته منزلة من حضره الموت فقال إني تبت الآن ولا هو من الذين يموتون وهم كفار فأمره إلى الله تعالى ولما قال الله له فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية كما كان قوم يونس فهذا إيمان موصول وقدم الهوية لبعيد ضميريه عليه ليلحق بتوحيد الهوية (التوحيد الثالث عشر) من نفس الرحمن هو قوله فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وإن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون هذا توحيد الاستجابة وهو توحيد الهو وهو توحيد غريب فإن قوله فإن لم يستجيبوا يعني المدعين لكم يعني الداعين فاعلموا أنما أنزل بعلم الله فالضمير في فاعلموا يعود على الداعين وهم عالمون بأنه إنما أنزل بعلم الله ولو أراد المدعين لقال فيعلموا بالياء كما قال يستجيبوا بياء الغيبة ثم قال وأن لا إله إلا هو أي واعلموا أنه لا إله إلا هو كما علمتم أنه إنما أنزل بعلم الله ثم قال فهل أنتم مسلمون وقد كانوا مسلمين وهذا كله خطاب الداعين إن كانت هل على بابها وإن كانت هنا مثل ما هي في قوله هل أتى على الإنسان اعتمادا على قرينة الحال فأخرجت عن الاستفهام وإلا فما هذا خطاب الداعين إلا أن يكون مثل قولهم إياك أعني فاسمعي يا جارة فالخطاب لزيد والمراد به عمرو ولئن أشركت ليحبطن عملك وإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ومعلوم أنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو على بينة من ربه في ماله فعلمنا بقرائن الأحوال أنه المخاطب والمراد غيره لا هو وحكمة ذلك مقابلة الإعراض بالإعراض لأنهم أعرضوا عن قبول دعوة الداعين فأعرض الله عنهم
(٤١٠)