(التوحيد السادس) من نفس الرحمن هو قوله الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة هذا أيضا توحيد الابتداء وهو توحيد الهوية المنعوت بالاسم الجامع للقضاء والفصل فمن رحمة الله أنه قال ليجمعنكم فما نجتمع إلا فيما لا نفترق فيه وهو الإقرار بربوبيته سبحانه وإذا جمعنا من حيث إقرارنا له بالربوبية فهي آية بشرى وذكر خير في حقنا بسعادة الجميع وإن دخلنا النار فإن الجمعية تمنع من تسرمد الانتقام لا إلى نهاية لكن يتسر مد العذاب وتختلف الحالات فيه فإذا انتهت حالة الانتقام ووجدان الآلام أعطى من النعيم والاستعذاب بالعذاب ما يليق بمن أقر بربوبيته ثم أشرك ثم وحد في غير موطن التكليف والتكليف أمر عرض في الوسط بين الشهادتين لم يثبت فبقي الحكم للأصلين الأول والآخر وهو السبب الجامع لنا في القيامة فما جمعنا إلا فيما اجتمعنا فإذا استعذبوا العذاب أريحوا * من أليم العذاب وهو الجزاء قال أبو يزيد الأكبر البسطامي وكل مآربي قد نلت منها * سوى ملذوذ وجدي بالعذاب لم يقل بالألم ولنا في هذا الباب نظم كثير (التوحيد السابع) من نفس الرحمن هو قوله ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه هذا توحيد الرب بالاسم الخالق وهو توحيد الهوية فهذا توحيد الوجود لا توحيد التقدير فإنه أمر بالعبادة ولا يأمر بالعبادة إلا من هو موصوف بالوجود وجعل الوجود للرب فجعل ذلك الاسم بين الله وبين التهليل وجعله مضافا إلينا إضافة خاصة إلى الرب فهي إضافة خصوص لنوحده في سيادته ومجده وفي وجوب وجوده فلا يقبل العدم كما يقبله الممكن فإنه الثابت وجوده لنفسه ويوحد أيضا في ملكه بإقرارنا بالرق له ولنوحده توحيد المنعم لما أنعم به علينا من تغذيته إيانا في ظلم الأرحام وفي الحياة الدنيا ولنوحده أيضا فيما أوجده من المصالح التي بها قوامنا من إقامة النواميس ووضع الموازين ومبايعة الأئمة القائمة بالدين وهذه الفصول كلها أعطاها الاسم الرب فوحدناه ونفينا ربوبية ما سواه قال يوسف لصاحبي السجن ء أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار (التوحيد الثامن) من نفس الرحمن قوله تعالى اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين هذا توحيد الاتباع وهو من توحيد الهوية فهو توحيد تقليد في علم لأنه نصب الأسباب وأزال عنها حكم الأرباب لما قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فلو قالوا ما نتخذهم وأبقوا العبودية لجناب الله تعالى لكان لهم في ذلك مندوحة بوضع الأسباب الإلهية المقررة في العالم فأمر ص أن يعرض عن الشرك لا عن السبب فإنه قال في مصالح الحياة الدنيا ولكم في القصاص حياة فعلل ولام العلة في القرآن كثير وهذا أيضا فيه ما في السابع من توحيد الاسم الرب وعمم إضافة جميعنا إليه وهنا خصص به الداعي فكأنه توحيد في مجلس محاكمة فيدخل فيه توحيد المقسط لإقامة الوزن في الحكم بين الخصماء بين ذلك قوله وأعرض عن المشركين وخص به الداعي لمجيئه بالتوحيد الإيماني لا التوحيد العقلي وهو توحيد الأنبياء والرسل لأنها ما وحدت عن نظر وإنما وحدت عن ضرورة علم وجدته في نفسها لم تقدر على دفعه فترك المشركين وآلهتهم وانفرد بغار حرا يتحنث فيه من غير معلم إلا ما يجده في نفسه حتى فجئه الحق وهو قوله اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو أي أنه لا يقبل الشريك فأعرض عنهم حتى يستحكم الايمان وأقمه بنفس الرحمن فاجعل له أنصارا وآمرك بقتال المشركين لا بالإعراض عنهم (التوحيد التاسع) من نفس الرحمن هو قوله إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويمت توحيد الهوية في الاسم المرسل وهو توحيد الملك ولهذا نعته بأنه يحيي ويميت إذ الملك هو الذي يحيي ويميت ويعطي ويمنع ويضر وينفع فمن أعطى أحيا ونفع ومن منع أضر وأمات ومن منع لا عن بخل كان منعه حماية وعناية وجودا من حيث لا يشعر الممنوع وكان الضرر في حقه حيث لم يبلغ إلى نيل غرضه لجهله بالمصلحة فيما حماه عنه النافع ومات هذا الممنوع لكونه لم تنفذ إرادته كما لا تنفذ إرادة الميت فهذا منع الله وضرره وإماتته فإنه المنعم المحسان فأرسل الرسل بالتوحيد تنبيها لإقرارهم في الميثاق الأول فقال وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فمن وحده بلسان رسوله لا من لسانه جازاه الله على توحيده جزاء رسوله فإن وحده
(٤٠٨)