حقه ولا قامت لهم شبهة قوية في صورة برهان فكانوا يدخلون بها في مفهوم قوله ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ويريد بالبرهان هنا في زعم الناظر فإنه من المحال أن يكون ثم دليل في نفس الأمر على إله آخر ولم يبق إلا أن تظهر الشبهة بصورة البرهان فيعتقد أنها برهان وليس في قوته أكثر من هذا (التوحيد الخامس عشر) من نفس الرحمن هو قوله ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا إنه لا إله إلا أنا فاتقون هذا توحيد الإنذار وهو توحيد الإنابة استوى في هذا التنزل في التوحيد رسل البشر والمرسلون إليهم فإن الملائكة هي التي نزلت بالإنذار من أجل أمر الله لهم بذلك والروح هنا ما نزلوا به من الإنذار ليحيى بقبوله من قبله من عباده كما تحيي الأجسام بالأرواح فحييت بهذا الروح المنزل رسل البشر فأنذروا به فهذا توحيد عظيم نزل من جبار عظيم بتخويف وتهديد مع لطف خفي في قوله فاتقون أي فاجعلوني وقاية تدفعون بي ما أنذرتكم به هذا لطفه ليس معناه فخافوني لأنه ليس لله وعيد وبطش مطلق شديد ليس فيه شئ من الرحمة واللطف ولهذا قال أبو يزيد وقد سمع قارئا يقرأ إن بطش ربك لشديد فقال بطشي أشد فإن بطش المخلوق إذا بطش لا يكون في بطشه شئ من الرحمة بل ربما ما يقدر أن يبلغ في المبطوش به ما في نفسه من الانتقام منه لسرعة موت ذلك الشخص ولما كانت الرحمة منزوعة عن بطشه قال بطشي أشد وسبب ذلك ضيق المخلوق فإنه ما له الاتساع الإلهي وبطش الله وإن كان شديدا ففي بطشه رحمة بالمبطوش به وبطش المخلوق ليستريح من الضيق والحرج الذي يجده في نفسه بما يوقعه بهذا به المبطوش فيطلب في بطشه الرحمة بنفسه في الوقت وقد لا ينالها كلها بخلاف الحق تعالى فإن بطشه لسبق العلم يأخذ هذا المبطوش به للسبب الموجب له لا غير والمنتقم لغيره ما هو كالمنتقم لنفسه (التوحيد السادس عشر) من نفس الرحمن وهو قوله إنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى هذا توحيد الأبدال فإنه أبدل الله من الرحمن وهذا في المعنى بدل المعرفة من النكرة لأنهم أنكروا الرحمن وفي اللفظ بدل المعرفة من المعرفة وهو من توحيد الهوية القائمة بأحكام الأسماء الحسنى لا إن الأسماء الحسنى تقوم معانيها بها بل هي القائمة بمعاني الأسماء كما هو قائم على كل نفس بما كسبت كذلك هو قائم بكل اسم بما يدل عليه وهذا علم غامض ولهذا قال في هذا التوحيد يعلم السر وأخفى لما قال وإن تجهر بالقول فالأخفى عن صاحب السر هو ما لا يعلمه مما يكون لا بد أن يعلمه خاصة وما تسمى إلا بأحكام أفعاله من طريق المعنى فكلها أسماء حسني غير أنه منها ما يتلفظ بها ومنها ما يعلم ولا يتلفظ بها لما هو عليه حكمها في العرف من إطلاق الذم عليها فإنه يقول فألهمها فجورها وتقوها وقدم الفجور على التقوى عناية بنا إلى الخاتمة والغاية للخير فلو أخر الفجور على التقوى لكان من أصعب ما يمر علينا سماعه فالفجور يعرض للبلاء والتقوى محصل للرحمة وقد تأخر التقوى فلا يكون إلا خيرا وقال تعالى الله يستهزئ بهم ولا يشتق له منه اسم لما ذكرناه فله الأسماء الحسنى في العرف وحسن غيرها مبطون مجهول في العرف إلا عند العارفين بالله ويندرج في هذا العلم بسبب الألف واللام التي هي للشمول جميع ما ينطلق عليه اسم السر وما هو أخفى من ذلك السر ومن السر النكاح قال تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا أي نكاحا فإن الله أيضا يعلمه وإن كانت الآية تدل بظاهرها على ما يحدث المرء به نفسه لقوله وإن تجهر بالقول فإنه يعلم ذلك ويعلم ما تحدث به نفسك وهو قوله ونعلم ما توسوس به نفسه ومع هذا فإن الألف واللام لها حكم في مطلق اسم السر فيعلم ما ينتجه النكاح وهو قوله تعالى ويعلم ما في الأرحام فإنه الخالق ما فيها ألا يعلم من خلق وهو اللطيف لعلمه بالسر الخبير لعلمه بما هو أخفى ومن هذه الحضرة نصب الأدلة على معرفته وجعل في نفوس العلماء تركيب المقدمات على الوجه الخاص والشرط الخاص فأشبهت المقدمات النكاح من الزوجين بالوقاع ليكون منه الانتاج فالوجه الخاص الرابط بين المقدمتين وهو أن واحدا من المقدمتين يتكرر فيهما ليربط بعضهما ببعض من أجل الانتاج والشرط الخاص أن يكون الحكم أعم من العلة أو مساويا لها حتى يدخل هذا المطلوب تحت الحكم ولو كان الحكم أخص لم ينتج وخرج عنه كقولهم كل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث فالحادث هنا هو الحكم والمقدمة الأخرى والأجسام لا تخلو عن الحوادث فالحوادث هو الوجه الخاص الجامع بين المقدمتين فأنتج إن الجسم حادث ولا بد فالحكم أعم لأن العلة الحوادث القائمة به والحكم كونه حادثا
(٤١٢)