عالم الكلمات فلهذا كانت الهوية أعظم الأشياء فعلا وكذلك الإنسان آخر غاية النفس والكلمات الإلهية في الأجناس ففي الإنسان قوة كل موجود في العالم فله جميع المراتب ولهذا اختص وحده بالصورة فجمع بين الحقائق الإلهية وهي الأسماء وبين حقائق العالم فإنه آخر موجود فما انتهى لوجوده النفس الرحماني حتى جاء معه بقوة مراتب العالم كله فيظهر بالإنسان ما لا يظهر بجزء جزء من العالم ولا بكل اسم اسم من الحقائق الإلهية فإن الاسم الواحد ما يعطي ما يعطي الآخر مما يتميز به فكان الإنسان أكمل الموجودات والواو أكمل الحروف وكذا هي في العمل عند من يعرف العمل بالحروف فكل ما سوى الإنسان خلق إلا الإنسان فإنه خلق وحق فالإنسان الكامل هو على الحقيقة الحق المخلوق به أي المخلوق بسببه العالم وذلك لأن الغاية هي المطلوبة بالخلق المتقدم عليها فما خلق ما تقدم عليها إلا لأجلها وظهور عينها ولولا ما ظهر ما تقدمها فالغاية هو الأمر المخلوق بسببه ما تقدم من أسباب ظهوره وهو الإنسان الكامل وإنما قلنا الكامل لأن اسم الإنسان قد يطلق على المشبه به في الصورة كما تقول في زيد إنه إنسان وفي عمرو إنه إنسان وإن كان زيد قد ظهرت فيه الحقائق الإلهية وما ظهرت في عمرو فعمرو على الحقيقة حيوان في شكل إنسان كما أشبهت الكرة الفلك في الإستدارة وأين كمال الفلك من الكرة فهذا أعني بالكامل فحاز الإنسان جميع المراتب برتبته كما حازت الواو جميع قوى الحروف فدل أن الواو كانت المطلوبة بالكلام لتوجد فوجد بسببها جميع ما وجد في الطريق باستعداد المخارج من الحروف حتى انتهى إلى الواو ثم لتعلم أن نفس المتنفس لم يكن غير باطن المتنفس فصار النفس ظاهرا وهو أعيان الحروف والكلمات فلم يكن الظاهر بأمر زائد على الباطن فهو عينه واستعداد المخارج لتعيين الحروف في النفس استعداد أعيان العالم الثابتة في نفس الرحمان فظهر عين الحكم الاستعدادي الذي في العالم الظاهر في النفس فلهذا قال تعالى لنبيه ص وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقال للنفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية كما قال طوعا وكرها أي إن لم ترجعي راضية من ذاتك وإلا أجبرت على الرجوع إلى ربك فتعلم أنك ما أنت أنت وإذا رجعت راضية فهي النفس العالمة المرضية عند الله فدخلت في عباده فلم تنسب ولا انتمت إلى غيره ممن اتخذ إلهه هواه ودخلت في جنته أي في كنفه وستره فاستترت هذه النفس به فكان هو الظاهر وهي غيب فيه فهي باطنة إذ كانت هي عين النفس والنفس باطن فقامت للرحمن بهذا النعت من الدخول في الستر المضاف إليه بقوله جنتي مقام الروح للجسم الصوري فإنه ستر عليه فالجسم المشهود والحكم للروح فالظاهر الحق والحكم للروح وهو استعداد العالم الذي أظهر الاختلاف في الحق الظاهر فهذا معنى قوله وادخلي جنتي وأضافه إلى نفسه فالرب والمربوب مرتبطان * ثنى الوجود به وليس بثان ما إن رأيت ولا سمعت بمثله * إلا الذي قالوه في العمران والقمران يريدون أبا بكر وعمر والشمس والقمر والله خلقكم وما تعلمون فأثبت بالضمير ونفى بالفعل الذي هو خلق كما انتفى أبو بكر فلم يظهر له اسم في العمران وأثبته ضمير التثنية وهو قولهم العمران فسبحان من أخفى عنه حكمته فيه فظهر في الوجود العليم الذي لا يعلم كالرامي الذي ما رمى فالحروف ليست غير النفس ولا هي عين النفس والكلمة ليست غير الحروف وما هي عين الحروف والجمع حال لا وجود لعينه * وله التحكم ليس للآحاد (وصل) واعلم أن الله لما قال قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى فجعل الأسماء الحسنى لله كما هي للرحمن غير أن هنا دقيقة وهي أن الاسم له معنى وله صورة فيدعي الله بمعنى الاسم ويدعي الرحمن بصورته لأن الرحمن هو المنعوت بالنفس وبالنفس ظهرت الكلمات الإلهية في مراتب الخلأ الذي ظهر فيه العالم فلا ندعوه إلا بصورة الاسم وله صورتان صورة عندنا من أنفاسنا وتركيب حروفنا وهي التي ندعوه بها وهي أسماء الأسماء الإلهية وهي كالخلع عليها ونحن بصورة هذه الأسماء التي من أنفاسنا مترجمون عن الأسماء الإلهية والأسماء الإلهية لها صور من نفس الرحمن من كونه قائلا ومنعوتا بالكلام وخلف تلك الصور المعاني التي هي لتلك الصور كالأرواح فصور الأسماء الإلهية
(٣٩٦)