واحدة وعين واحدة والصور كثيرة مختلفة بالحد والحقيقة وبيدها المنع والعطاء وذلك لله أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب أي الكثرة في عين الواحد ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين فما أنكروه ولا ردوه بل استعظموه واستكبروه وتعجبوا كيف تكون الأشياء شيئا واحدا واستكبروا مثل هذا الكلام من مثل هذا الشخص حيث علموا أنه منهم وما شاهد إلا ما شاهدوه فمن أين له هذا الذي ادعاه فحجبهم الحس عن معرفة النفس والاختصاص الإلهي فامتثلوا أمر الله من حيث لا يشعرون لأنه الآمر عباده بالاعتبار وهو التعجب فقال إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار وقال فاعتبروا يا أولي الأبصار فاعتبروا كما أمروا فهم من أولي الأبصار وقولهم إن هذا إلا اختلاق لما جاءهم التعريف بهذا على يدي واحد منهم ولم يعرفوا العناية الإلهية والاختصاص الرباني والاختلاق لم يكن فيما تعجبوا منه لأنه لو أحالوه بالكلية ما تعجبوا وإنما نسبوا الاختلاق لمن جاء به إذ كان من جنسهم ومما يجوز عليه ذلك حتى يتبين لهم برؤية الآيات فيعلمون أنه ما اختلق هذا الرسول وأنه جاءه من عند الله الذي عبد هؤلاء هذه المسماة آلهة عندهم على جهة القربة إلى الله الكبير المتعالي فأنزلوهم بمنزلة الحجة للملك وأعطوهم اسمه كما يعطي اسم الولاية لكل وال وإن كان الوالي هو الله فالولاة كثيرون فكأنه أخبرهم عن الله أنه ما ولي هؤلاء الذي يعبدون بل آباؤكم نصبوهم آلهة هذا الإله الذي أدعوكم إليه تعرفونه وأنه اسمه الله لا تنكرونه وأنتم القائلون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فسميتموه فسموا آلهتكم فتعرفوا عند ذلك الأمر الحق بيد من هو هل هو بأيديكم أو بيدي يقول الرسول فلما عرفوا قوله وتحققوه علموا أنهم في فضيحة لأنهم إذا سموهم لم يسموهم الله ولا عقلوا من أسمائهم مسمى الله فإنهم عارفون بأسمائهم فقالوا مثل ما قال قوم إبراهيم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فتلك الحجة الإلهية عليهم منهم فما حاجهم إلا بهم وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه (التوحيد السابع والعشرون) من نفس الرحمن هو قوله ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فإني تصرفون هذا توحيد الإشارة فما في الكون مشار إليه إلا هو فإني تصرفون لأن الإشارة لا تقع من المشير إلا لأمر حادث عنده وإن لم يكن في عينه في نفس الأمر حادثا ولكنه يعلم أنه حدث عنده وما يحدث أمر عند من يحدث عنده إلا ولا بد أن يجهل أمره عند ما يحدث عنده لشغله بحدوثه عنده وأثره فيه فيشير إليه في ذلك الوقت وفي تلك الحالة رفيقه وهو على نوعين إذ ما له رفيق سوى اثنين إما عقله السليم وإما شرعه المعصوم وما ثم إلا هذا لأنه ما ثم من يقول له في هذه الإشارة ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو إلا أحد هذين القرينين إما العقل السليم أو الشرع المعصوم وما عدا هذين فإنه يقول له خلاف ما قال هذان القرينان فيقول له هذا الدهر وتصرفه ويقول الآخر هذه الطبيعة وأحكامها ويقول الآخر هذا حكم الدور فيصرفه كل قائل إلى ما يراه فهو قول هذين القرينين فإني تصرفون فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء بالقرآن وما يضل به إلا الفاسقين الخارجين عن حكم هذين القرينين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (التوحيد الثامن والعشرون) من نفس الرحمن هو قوله شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير هذا توحيد الصيرورة وهو من توحيد الهوية وهو على الحقيقة مقام الايمان لأن المؤمن من اعتدل في حقه الخوف والرجاء واستوت فيهما قدماه فلم يحكم فضله في عدله ولا عدله في فضله فكما تجلى في شديد العقاب تجلى في الطول الأعم المؤيد بغافر الذنب وقابل التوب ولم يجعل للشديد العقاب مؤيدا وذلك للدعوى في الشدة فوكل إلى ما ادعاه فهو غير معان ومن لم يدع فهو معان فإنها ولاية في الخلق ولأنه جاء بالشدة في العقاب ولم يجئ في الطول مثل هذه الصفة فلهذا شدد أزره بغافر الذنب وقابل التوب فأشار إلى ذوي الأفهام من عباده بإعانة ذي الطول بغافر الذنب وقابل التوب على الشديد العقاب إلى ترك الدعوى فإن الشديد في زعمه أنه لا يقاوم ولو علم أن ثم من يقاومه ما ادعى ذلك فنبه تعالى عباده على ترك الدعوى فيكون الحق يتولى أمورهم بنفسه وعصمهم في حركاتهم وسكناتهم ليقفوا عند ذلك ويعلموا أنه الحق (التوحيد التاسع والعشرون) من نفس الرحمن هو قوله ذلكم الله ربكم خالق كل شئ لا إله إلا هو فإني تؤفكون هذا توحيد الفضل وهو من توحيد الهوية لأنه جاء بعد قوله إن الله لذو فضل
(٤١٨)