كان الهجاء مما عملته لتجزى كل نفس بما عملت ليعلموا صدق رسول الله ص فقال له رسول الله ص إني منهم فانظر ما تقول وكيف تقول وائت أبا بكر فإنه أعرف بالأنساب فيخبرك حتى لا تقول كلاما يعود على رسول الله ص فتكون قد وقعت فيما وقعوا فيه فقال له حسان بن ثابت والله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين لأنه لا يعلق بها شئ من العجين وهكذا باب التسبيح فإنه تنزيه والتنزيه عبارة عن العدم ليس بتنزيه وإنما يكون التنزيه عن كل صفة تدل على الحدوث لاتصافه بالقدم وصفات الحدوث إنما هي للمحدثات وهنا زلت الاقدام في العلم بالمحدثات ما هي المحدثات وما في الوجود إلا الله فإن الموجودات كلمات الله وبها يثنى على الله فإذا نزه المنزه ربه ولا ينزهه إلا عما هو صفة للمحدث والمحدث ليس له من نفسه شئ ولا عينه له وإنما هي لمن أظهرها فإذا نزه الحق عن شئ لا يثنى عليه إلا به وبأمثاله فقد تركت من الثناء عليه ما كان ينبغي لك أن تثني عليه به فإذا سبحته فتحقق عن أي شئ تنزهه إذ ما ثم إلا هو فإن نفس الرحمن هو جوهر الكائنات ولهذا وصف الحق نفسه بما هو من صفات المحدثات مما تحيله الأدلة النظرية العقلية واحذر أن تسبحه بعقلك واجعل تسبيحه منك بالقرآن الذي هو كلامه فتكون حاكيا لا مخترعا ولا مبتدعا فإن كان هناك ما يقدح كنت أنت برئ الساحة من ذلك إذ ما سبحه إلا كلامه وهو أعلم بنفسه منك وهو يحمد ذاته بأتم المحامد وأعظم الثناء كما قال ص أنت كما أثنيت على نفسك وقد أثنى على نفسه بما يقول فيه دليل العقل إنه لا يجوز عليه ذلك وينزهه عنه وهذا غاية الذم وتكذيب الحق فيما نسبه إلى نفسه وعلمك بأنك أعرف به منه فاحذر أن تنزهه عن أمر ثبت في الشرع أنه وصف له كان ما كان ولا تسبحه تسبيحة واحدة بعقلك جملة واحدة وقد نصحتك فإن الأدلة العقلية كثيرة التنافر للأدلة الشرعية في الإلهيات فسبح ربك بكلام ربك وبتسبيحه لا بعقلك الذي استفاده من فكره ونظره فإنه ما استفاد أكثر ما استفاد إلا الجهل فتحفظ مما ذكر لك فإنه داء عضال قليل فيه الشفاء فذم بذم الله وامدح بمدح الله وارحم برحمة الله وألعن بلعنة الله تفز بالعلم وتملأ يديك من الخير والتسبيح ثناء كل موجود في العالم لا غير التسبيح وهذا هو الذي أضل العقلاء وهو من المكر الإلهي الخفي وغابت عقولهم عن قوله تعالى بحمده وهو ما ذكرناه فقال تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده وما قال يحمد ولا يكبر ولا يهلل فإنها كلها ثناء بإثبات وجودي والتسبيح ثناء بعدم فدخله المكر الإلهي فأثر في العقول المفكرة فجاء العارفون فوجدوا الله قد قيد تسبيح كل شئ بحمده المضاف إليه فسبحوه بما أثنى على نفسه فما استنبطوا شيئا بخلاف الناظرين بعقولهم في الإلهيات ولهذا قال ولكن لا تفقهون تسبيحهم لأنهم نسوا بحمده حجتهم عن ذلك أدلة عقولهم إذ ستر الله عنها ذلك بستر أفكارهم فلم يؤاخذهم على ذلك لقوله إنه كان حليما غفورا مع ما فيه من سوء الأدب من وجه لما كان الشفيع فيهم عند الله قوله ليس كمثله شئ وفيه غلطوا فقبل الله فيهم سؤال ليس كمثله شئ فعفا عنهم فيما توقفوا فيه أو أحالوه مما أثبته الحق لنفسه من استواء ومعية وظرفية ونزول وغير ذلك مما لا يحصى كثرة مما نطقت به كتبه ورسله فقد أفهمتك كيف تسبح ربك وألقيت بك على الطريق فاذكرني عند ربك (الفصل الثامن) في الذكر بالتكبير قال تعالى ولذكر الله أكبر وذكر الله القرآن فاذكره بالقرآن لا تكبره بتكبيرك إذ قد أمرك أن تكبره فقال وكبره تكبيرا عن الولد والشريك والولي ولا تغفل في هذا التكبير عن قوله من الذل فقيده فإنه يقول إن تنصروا الله ينصركم فما نصرناه من ذل فلهذا قال ولم يكن له ولي من الذل فإنه قد دعاك إلى نصرته ليوفي الصورة التي خلقك عليها حقها لأنه يقول أعطى كل شئ خلقه فمن إعطائه الصورة التي خلقك عليها خلقها الذي هو عين حقها أن يطلب منها نصرته فإنه الناصر فقال كونوا أنصار الله والناصر هو الولي فلهذا قيده فإذا كبرته عن الولي فاعلم عن أي ولي تكبره وكذلك أيضا الشريك في الملك وعلى هذه المسألة تبتني مسألة العبد هل يملك أو لا يملك فمن رأى شركة الأسباب التي لا يمكن وجود المسببات إلا بها لم يثبت الشريك في الملك لأن السبب من الملك وهو كالآلة والآلة يوجد بها ما هو ملك للموجد كما هي الآلة ملك للموجد وما تملك الآلة شيئا فلهذا قيد التكبير عن الشريك في الملك لا في الإيجاد لأن الله تعالى أوجد الأشياء على
(٤٠٤)