قال الناصب خفضه الله أقول: نختار القسم الثاني وهو أن خلقه تعالى لأفعالنا لا يتوقف على دواعينا وقدرنا، وما ذكره من لزوم وجدان الكتابة بدون اليد وغيره من المحالات العادية، فهي استبعادات لا يقدح في الجواز العقلي نعم عادة الله تعالى جرت على إحداث الكتابة عند حصول اليد والقلم، وإن أمكن حصوله وجاز حدوثه عقلا بدون اليد والقلم، ولكن هو من المحالات العادية كما مر غيرة مرة، وما ذكر أنه يلزم أن تكون القدرة والداعية إذا لم تكونا مؤثرتين في الفعل كاللون والطول والقصر بالنسبة إلى الأفعال فهو ممنوع، للفرق بأن الفعل يقع عقيب وجود القدرة كالاحراق الذي يقع عقيب مساس النار عادة، ولا يقال: لا فرق بالنسبة إلى الاحراق بين النار وغيره، إذ لا تجري العادة بحدوث الاحراق عقيب مساس الماء، فكذلك لم تجر عادة الله تعالى بإحداث الفعل عقيب وجود اللون، بل عقيب حصول القدرة والداعية مع أنهما غير مؤثرتين (إنتهى).
أقول يتوجه عليه أن حاصل ما ذكره المصنف دعوى البداهة في امتناع وجود الكتابة ممن لا يد له ولا قلم لا مجرد الاستبعاد، وما ذكره الناصب من جريان العادة تشكيك في البديهي وسفسطة مبنية على نفي الأسباب الحقيقية فلا يستحق الجواب، وقد كشفنا النقاب عن ذلك فيما سبق من الفصل والأبواب (1).
____________________
(1) كفصل إثبات الحسن والقبح العقليين (ج 1 ص 360).