ممكن فيجوز وقوعه من الله وليس هذا أبلغ من تعذيب الله تعالى من لا يستحق العذاب بل يستحق الثواب وفصل ذلك فيما سيجئ بعيد ذلك متصلا به عند الكلام على
المعتزلة فلا تغفل، ولقد اتضح بما ذكرناه أنه لا يرتبط بما ذكره المصنف قدس سره ما ذكرناه هذا الناصب بقوله: فإن كان مذهب
الأشاعرة أنهما عقليان فأي نقص أتم من أن يكون صاحب الدعوة الإلهية موصوفا بهذه القبائح الخ، وذلك لظهور أنه لا يلزم من إدراك العقل بأحد المعنيين قبح اتصاف صاحب الدعوة بذلك إدراكه قبح إرسال الله تعالى لمثل هذا الشخص، وكيف يدرك ذلك مع أنه على قاعدة القوم لا يقبح شئ عن الله تعالى، فيجوز عليه
بعثة مثل ذلك الشخص كما جوزوا عليه صدور غيره من القبائح والظلم حسب ما أشار إليه المصنف قدس سره ويؤكده ما في المواقف وشرحه (1) من أن النبوة عند أهل الحق من
الأشاعرة من قال له الله: أرسلتك إلى قوم كذا ولا يشترط في الارسال شرط من الأعراض والأحوال المكتسبة بالرياضيات والمجاهدات في الخلوات والانقطاعات، ولا استعداد ذاتي من صفاء الجوهر وذكاء الفطرة كما يزعمه الحكماء، بل الله سبحانه يختص برحمته من يشاء من عباده (2) فالنبوة رحمة متعلقة بمشيئته فقط انتهى، هذا، وأما الآيات التي ذكرها في توبيخ المصنف قدس سره فإنما تناسب بحال أسلاف الناصب حيث أشاعوا تلك الروايات الفاحشة وذكروها في صحاحهم وغيرها من جوامعهم وتداولوها بينهم في أنديتهم ومجالسهم قرنا بعد قرن، فإن كون قصدهم في ذلك
تشييع الفاحشة ظاهر لا مجال للمناقشة فيه، وأما المصنف فليس قصده في هذا المقام إلا استقباح أمر السلف في إشاعة تلك الفواحش ليرتدع الخلف عن اتباعهم بل الذي فعله المصنف من قبيل الجرح والتعديل الذي قد أوسعوا له السبيل،
____________________
(1) ذكره في (ج 2 ص 408 ط مصر) (2) البقرة. الآية 105