أما الكبائر فمنعه الجمهور من المحققين، والأكثر على أنه ممتنع سمعا، قال القاضي (1) والمحققون من
الأشاعرة: إن العصمة فيما وراء التبليغ غير واجبة عقلا، إذ لا دلالة للمعجزة عليه، فامتناع الكبائر منهم عمدا يستفاد من السمع وإجماع الأمة قبل ظهور المخالفين في ذلك، وأما صدورها سهوا أو على سبيل الخطأ في التأويل، فالمختار عدم جوازه، وأما الصغائر عمدا فجوزها الجمهور، أما سهوا فهو جائز اتفاقا بين أكثر أصحابنا وأكثر
المعتزلة إلا الصغائر الخسيسة كسرقة حبة أو لقمة مما ينسب فاعله إلى الدنائة والخسة والرذالة، وقالت الشيعة: لا يجوز عليهم صغيرة ولا كبيرة لا عمدا ولا سهوا ولا خطأ في التأويل، وهم مبرؤن عنها قبل الوحي فكيف بعد الوحي، ودليل
الأشاعرة على
وجوب عصمة الأنبياء من الكبائر سهوا وعمدا من وجوه، ونحن نذكر بعض الأدلة لا للاحتجاج بها على الخصم، لأنه موافق في هذه المسألة، بل لرفع افترائه على
الأشاعرة في تجويز الكبائر على الأنبياء الأول لو صدر عنهم ذنب لحرم اتباعهم فيما صدر عنهم، ضرورة أنه يحرم ارتكاب الذنب، واتباعهم واجب للاجماع عليه، ولقوله تعالى: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (2)، وهذا الدليل يوجب
وجوب عصمتهم عن الصغائر والكبائر، ذكره
الأشاعرة وفيه موافقة الشيعة، فعلم أن
الأشاعرة يوافقونهم في
وجوب عصمة الأنبياء من الصغائر والكبائر، لكن في الصغائر تجويز عقلي لدليل آخر كما سيأتي في تحقيق العصمة الثانية لو أذنبوا لردت شهادتهم، إذ لا شهادة للفاسق بالاجماع، واللازم باطل بالاجماع، لأن ما لا يقبل
شهادته في القيل الزائل من متاع الدنيا كيف تسمع
شهادته في الدين القيم إلى
يوم القيامة، وهذا
____________________
(1) هو أبو بكر الباقلاني صاحب كتاب التمهيد وقد تقدمت ترجمته (ج 1 ص 247) فراجع.
(2) آل عمران. الآية 31.