الدليل يدل على
وجوب عصمتهم من الكبائر والاصرار على الصغائر، لأنها توجب الرد لا نفس صدور الصغيرة، الثالث إن صدر عنهم ذنب وجب زجرهم وتعنيفهم لعموم
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيذائهم حرام إجماعا، وأيضا لو أذنبوا لدخلوا تحت قوله تعالى: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم (1) وتحت قوله تعالى: ألا لعنة الله على
الظالمين (2)، وتحت قوله تعالى لوما ومذمة: لم تقولون ما لا تفعلون وقوله تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم (3) فيلزمكم كونهم موعدين بعذاب جهنم وملعونين ومذمومين، وكل ذلك باطل إجماعا، وهذا الدليل أيضا يدل على عصمتهم من كل الذنوب، وغيرها من الدلائل التي ذكرها الإمام الرازي (4)، والغرض أن كل ما ذكر هذا الرجل مما يترتب على ذنوب الأنبياء من لزوم إبطال
حجة الله تعالى فمذهب
الأشاعرة برئ عنه، وهم ذكروا هذه الدلائل، وأما تجويز الصغائر التي لا تدل على الخمسة، فلان الصغيرة النادرة عمدا معفوة عن مجتنب الكبائر، والنبي بشر ولا يبعد من البشر وقوع هذا، ثم اعلم أن تحقيق هذا المبحث يرجع إلى تحقيق معنى العصمة، وهي عند
الأشاعرة على ما يقتضيه أصلهم من استناد الأشياء كلها إلى الفاعل المختار ابتداء أن لا يخلق الله فيهم ذنبا، فعلى هذا تكون الأنبياء معصومين من الكفر والكبائر والصغائر الدالة على الخمسة والرذالة، وأما غيرها من الصغائر فإنهم يقولون: لا تجب عصمتهم عنها لأنها معفو عنها بنص الكتاب من تارك الكبيرة:
إن الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك
واسع المغفرة
____________________
(1) الجن. الآية 23.
(2) هود. الآية 18.
(3) البقرة. الآية 44.
(4) قد مرت ترجمته في (ج 1 ص 110)