ويذكرني عفو الكريم عن الورى * فأحيا وأرجو عفوه فأنيب فاخضع في قولي وارغب سائلا * عسى كاشف البلوى علي يتوب قال أبو الفرج بن المعافى: استشهد ببعض هذه الأبيات طائفة من النحويين في مواضع من فصول النحو. وفي تاريخ دمشق قال ثعلب أحمد بن يحيى: دخلت على أحمد بن حنبل إلى أن قال: فقال اي ابن حنبل مررت بالبصرة وجماعة يكتبون عن رجل الشعر وقيل لي هذا أبو نواس وتخلفت الناس ورائي فلما جلست املى علي إذا ما خلوت الدهر البيت انتهى ونظم حديث الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فقال:
ان القلوب لاجناد مجندة * لله في الأرض بالأهواء تعترف فما تعارف منها فهو مؤتلف * وما تناكر منها فهو مختلف البديع في شعر أبي نواس قال ابن رشيق في العمدة: قالوا أول من فتق البديع من المحدثين بشار بن برد وابن هرمة وهو ساقة العرب وآخر من يستشهد بشعره ثم اتبعهما مقتديا بهما كلثوم بن عمرو العتابي ومنصور النمري ومسلم بن الوليد وأبو نواس انتهى.
حسن التخلص قال:
وإذا جلست إلى المدام وشربها * فاجعل حديثك كله في الكاس وإذا نزعت عن الغواية فليكن * لله ذاك النزع لا للناس وإذا أردت مديح قوم لم تمن * في مدحهم فامدح بني العباس وقال:
حل على وجهه الجمال كما * حل يزيد معالي الرتب تجاهل العارف كدنا على علمنا والشك نسأله * أراحنا نارنا أم نارنا الراح ما عيب على أبي نواس قال ابن منظور ان مسلم بن الوليد الملقب بصريع الغواني عاب على أبي نواس قوله:
وأخفت أهل الشرك حتى أنه * لتخافك النطف التي لم تخلق قال وهذا من الاغراق المستحيل في العقول. وعاب عليه قوله:
يجل ان تلحق الصفات به * فكل خلق لخلقه مثل وقوله:
برئ من الأشياء ليس له مثل فقال إنه تخطى من صفة المخلوق إلى صفة الخالق. وقال ابن منظور أيضا لقي العتابي أبا نواس فقال يا أبا علي أما خفت الله تعالى في شعرك حيث تقول:
وأخفت أهل الشرك حتى أنها * لتخافك النطف التي لم تخلق فقال له أبو نواس: وأنت أما خفت الله حيث تقول:
ما زلت في غمرات الموت مطرحا * يضيق عني وسيع الرأي من حيلي فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي * حتى اختلست حياتي من يدي أجلي فقال العتابي قد علم الله وعلمت إن هذا ليس مثل قولك ولكنك أعددت لكل قائل جوابا.
سرقات أبي نواس قال ابن منظور: مما قيل عن أبي نواس إن الشعر إنما هو بين المدح والهجاء وأبو نواس لا يحسنهما وأجود شعره في الخمر والطرد وأحسن ما فيهما مأخوذ ليس له أقول دعوى إن أبا نواس لا يحسن المدح والهجاء دعوى غريبة في بابها، وكيف يقال لا يحسن لمن يقول:
ليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد وأما هجاؤه فكاد أن يكون فيه منفردا وقد عرفت تفوقه في المدح والهجاء عند ذكر ما اخترناه منهما. أما السرقات فقال ابن منظور في تتمة كلامه السابق مثل قوله: وداوني بالتي كانت هي الداء أخذه من قول الأعشى: وأخرى تداويت منها بها وقوله: إن الشباب مطية الجهل أخذه من قول النابغة الجعدي: فان مطية الجهل الشباب وقوله:
لما تبدى الصبح من حجابه * كطلعة الأشمط من جلبابه اخذه من قول أبي النجم * كطلعة الأشمط من كسائه.
قال ابن منظور: ولكن رزق أبو نواس في شعره إنسا وحمله الناس وقدمه أهل عصره وإن له عللا لأشياء حسان لا يدفعها ولا يطرحها إلا جاهل بالكلام أو حاسد.
ما قاله عند وفاته وفيه ما يدل على حسن ظنه بالله تعالى في تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن إبراهيم بن كثير: أخبرنا هلال بن محمد نبأنا إسماعيل بن علي نبأنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن كثير قال دخلنا على أبي نواس نعوده في مرضه الذي مات فيه فقال له عيسى بن موسى الهاشمي يا أبا علي أنت في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة وبينك وبين الله هنات فتب إلى الله فقال أبو نواس أسندوني فلما استوى جالسا قال إياي تخوف بالله حدثني حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال قال نبي الله ص لكل نبي شفاعة وإني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة أفترى لا أكون منهم إنتهى ولكن الخطيب قال إنه لم يرو عن محمد بن إبراهيم هذا إلا إسماعيل بن علي الخزاعي وإسماعيل غير ثقة ورواه الشيخ في المجالس عن الحفار عن إسماعيل بن علي الدعبلي عن محمد بن إبراهيم بن كثير مثله وفي تاريخ بغداد بسنده عن الشافعي دخلنا على أبي نواس وهو يجود بنفسه فقلنا له ما أعددت لهذا اليوم فقال:
تعاظمني ذنبي فلما قرنته * بعفوك ربي كان عفوك أعظم ا فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل * تجود وتعفو منة وتكرما ولولاك لم يغو بإبليس عابد * وكيف وقد أغوى صفيك آدما وبسنده عن علي بن محمد بن زكريا دخلت على أبي نواس وهو يكيد بنفسه أي يجود بها فقال تكتب فقلت نعم فأنشأ يقول: