ترى حيثما كانت من البيت مشرقا * ومن لم تكن فيه من البيت مغربا وكان شاربها لفرط شعاعها * في الكاس يقرع في ضيا مقباس فقلت له ترفق بي فاني * رأيت الصبح من خلل الديار فقال تعجبا مني أصبح * ولا صبح سوى ضوء العقار وقام إلى الدنان فسد فاها * فعاد الليل مصبوع الإزار وصفراء بعد المزج حمراء دونه * كان شعاع الشمس يلقاك دونها كان نارا بها محرشة * تهابها تارة وتخشاها حمراء لولا انكسار الماء لاختطفت * نور النواظر من بين الحماليق ينقض منها شعاع كلما مزجت * كالشهب تنقض في اثر العفاريت عتقت في الدنان حتى استفادت * نور شمس الضحى وبرد الظلام يجودها حتى عيانا يرى لها * إلى الشرف الاعلى شعاعا مطنبا قال ابغني المصباح قلت له اتئد * حسبي وحسبك ضوؤها مصباحا فسكبت منها في الزجاجة شربة * كانت لنا حتى الصبح صباحا وقال في ابيات بكر اللائم ينهاني * فأغرى ما استطاعا وهو مضمون قوله دع عنك لومي فان اللوم إغراء وقال من ابيات:
فأجابني والسكر يخفض صوته * والصبح يدفع في قفا الظلماء وفي شذرات الذهب من لطيف شعره قوله بديها وهو ألطف بديهة وأبدعها وقال ابن منظور كان الجاحظ يقول ما اعرف لأبي نواس شعرا يفضل هذه القصيدة:
ودار ندامى عطلوها وأدلجوا * بها اثر منهم جديد ودارس مساحب من جر الزقاق على الثرى * وأضغاث ريحان جني ويابس حبست بها صحبي فجددت عهدهم * واني على أمثال تلك لحابس ولم أدر منهم غير ما شهدت به * بشرقي ساباط الديار البسابس أقمنا بها يوما ويوما وثالثا * ويوما له يوم الترحل خامس تدار علينا الراح في عسجدية * حبتها بأنواع التصاوير فارس قراراتها كسرى وفي جنباتها * مهى تدريها بالقسي الفوارس فللراح ما زرت عليه جيوبها * وللماء ما دارت عليه القلانس وقد اختلفوا في معنى أقمنا بها يوما الخ فقال ابن هشام في المعنى ان الأيام ثمانية وقال الدماميني انها سبعة لان يوم الترحل ليس من أيام الإقامة وقال ابن الأثير السائر: مراده انهم أقاموا أربعة أيام ويا عجبا له يأتي بمثل هذا البيت السخيف على المعنى الفاحش قال الصفدي: أبو نواس اجل قدرا من أن يأتي بمثل هذه العبارة بغير معنى طائل وهو له مقاصد يراعيها ومذاهب يسلكها فان المفهوم منه ان المقام كان سبعة أيام لأنه قال وثالثا ويوما آخر له اليوم الذي رحلنا فيه خامس وابن الأثير لو أمعن النظر في هذا ربما كان يظهر له قال المؤلف لا معنى لاختلافهم في معنى أقمنا بها البيت فإنه واضح ظاهر انهم أقاموا بها أربعة أيام خامسها يوم الترحل كما قاله ابن الأثير وما حمله عليه الصفدي وصاحب المغني والدماميني لم يخطر ببال أبي نواس ولكن العلماء متى وجهوا نظرهم إلى شئ توسعوا في التشقيق وابداء الاحتمالات بما لا يحتمل وهم هنا لم يلتفتوا إلى أنه لو كان مراده انهم أقاموا سبعة أو ثمانية لكان الكلام غير صحيح فاليوم الأخير لا يصح جعله خامسا لليوم الذي بعد الثالث وهو الرابع وان جعل ابتداء حساب الخمسة من اليوم الرابع فجعل أول الخمسة فان قولنا هذا اليوم خامس لليوم الفلاني معناه ان اليوم الفلاني رابع وهذا خامس بعده بلا فاصل نعم يصح ان نقول يوم الأربعاء مثلا خامس للأيام التي أولها السبت اي هو الخامس منها وهو لم يقل ذلك ولا يصح ان نقول يوم الأربعاء خامس ليوم السبت وهذم واضح وهو كما قالوا في بيت مجنون ليلى:
أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها * اثنتين صليت الضحى أم ثمانيا انه كان يعد الركعات على أصابعه فوجد إصبعين مضمومين وثمانية مفتوحة فلم يدر ان عده كان بالمضموم أو المفتوح والحقيقة ان مراده اني إذا ذكرتها تاه عقلي فلا أدري كم صليت وجاء بالثماني لمراعاة القافية ولم يخطر بباله شئ مما قالوه واما قول ابن الأثير انه اتى بمثل هذا البيت السخيف على المعنى الفاحش فهو من السخافة فأبو نواس أراد ان يبين كثرة الأيام فعدها واحدا بعد واحد ولو قال أقمنا بها أربعة أيام ورحلنا لما أفاد هذا المعنى فهو نظير قوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما فان الألف لها شان في العدد بخلاف تسعمائة وخمسين. وقال ابن منظور قال الجاحظ نظرنا في الشعر القديم والمحدث فوجدنا المعاني تقلب وبعض يأخذ من بعض وقل معنى من معاني الشعر القديم تفرد بابداعه شاعر الا ورأيت من الشعراء من زاحمه فيه واشتق منه شيئا غير قول عنترة من المتقدمين يصف ذبابا خلا في دار عبلة وذلك قوله:
وقف الذباب بها فليس ببارح * غردا كفعل الشارب المترنم هزجا يحك ذراعه بذراعه * قدح المكب على الزناد الأجذم وقول أبي نواس من المحدثين:
قراراتها كسرى وفي جنباتها * مهى تدريها بالقسي الفوارس فللراح ما زرت عليه جيوبها * وللماء ما دارت عليه القلانس وفي تاريخ دمشق وجد بخط أبي نواس على حائط حجرة بمصر كان يسكنها أيام كونه بمصر:
قم حي بالراح قوما * نووا صلاة وصوما لم يطعموا لذة العيش * مذ ثلاثين يوما ومن خمرياته قوله انشده جحظته كما في تاريخ دمشق:
هلا استعنت على الهموم * صفراء من حلب الكروم ووهبت للعيش الحميد * بقية العيش الذميم بمجالس فيها الأوانس * والمزاهر كالنجوم يهدي التحية بينهم * نظر النديم إلى النديم وقوله كما في تاريخ دمشق ومدامة تنفي القذى عن وجهها * فالوهم ليس يحدها بصفات ان شئت قلت شعاع نفسي دونها * لفواقع منها على الحانات كان الزمان يذود عنها صرفه * فاتى بها عطلا من الآفات وقوله وفيه وصف النخل وابتداء خروج الطلع إلى زمان صيرورته تمرا وجنائه وقد أجاد فيه وهي مذكورة في ديوانه وأكثرها مذكور في تاريخ دمشق