وأيضا إذا بني الأمر على ذلك فلا يبقى لما استدل به المفصل من الأخبار قوام يعتد به، فلا معارض للإطلاقات والعمومات، التي نهى فيها عن القدوة بالفاسق وشهادته وغيرهما.
ونحن لما اخترنا ثبوت الصغائر وأثبتناها، فنقول: لا يتم ما ذكرتموه من وجهين:
الأول: الأخبار الدالة على أنه يكفي في ذلك ترك الكبائر، وسيجئ، ولا بد من تخصيص العمومات والمطلقات بذلك.
والثاني: استحالة تحقق الثمرة، إذ ليس يوجد معصوم بعد الملائكة والأنبياء والأئمة، فمن الذي هو مجتنب عن جميع المعاصي؟ ومن الذي لم يرتكب معصية أبدا؟ بل ومن الذي لم يظهر منه ذلك؟
فحينئذ، فلا يوجد عادل أصلا، ويقع الإشكال، ويلزم تعطيل أحكام الشرع، ويلزم الحرج والعسر المنفيين.
واعتذر عن ذلك ابن إدريس بأنه قادر على التوبة، وإذا تاب يقبل شهادته (1)، وقد ذكرنا كلامه سابقا.
وأورد عليه بأن التوبة يتوقف على العزم على عدم المعاودة، والعزم على ترك المحارم بأجمعه متعذر أو متعسر، لعدم انفكاك الانسان عنه غالبا، فكيف يتحقق العزم على الترك أبدا، إلا أن لا يعتبر فيها العزم على ذلك أبدا، كما هو منسوب إلى جمع من العلماء.
وربما يقال: إن هذا الإشكال عام الابتلاء، ولا اختصاص للمطلق بذلك، فإن التوبة واجبة اتفاقا، وذلك الإشكال وارد في نفس التوبة، فتأمل.
وبأن التوبة ليس محض الاستغفار، بل لا بد أن يعلم الندامة من حاله، وهذا يحتاج إلى طول مدة واصطبار، وهو أيضا مستلزم للحرج والعسر.
ويمكن الجواب عن الإيرادين بأن عمومات التوبة والاستغفار يشمله.