العقل يدرك مطلوبية كل واحد منهما، إلا أن المحذور العقلي اقتضى صرف الماء في حفظ النفس المحترمة، ولو تخلف عن ذلك، وبنى على عدم الاعتناء، يكون الوضوء مورد الأمر، لأنه لا قصور في ملاك الوضوء قطعا وجزما، لأن الوجدان حاكم بأن الشرع لأجلها أمر بالترابية، فلو كان العبد غير مبال بحفظها فعليه الوضوء.
ولأجل ذلك أفتى من أفتى بصحة الوضوء والغسل (1)، ويلزم بناء عليه أيضا بطلان التيمم، لأنه واجد الماء.
وبعبارة أخرى: التقييد على نحوين:
أحدهما: ما يستكشف بدليل القيد قصور المقتضي في مورد القيد.
وثانيهما: أنه لا يكون القيد المذكور كاشفا عنه، بل كان النظر في التقييد إلى مراعاة الأمر الآخر الأهم.
فما كان من قبيل الأول، فلا يلزم المحذور، ويكون الشرع في مورده ساكتا، كما إذا قال المولى: " أكرم العالم " ثم قال: " لا تكرم الفساق من العلماء " فإن في مورد العالم الفاسق لا ملاك قطعا أو ظاهرا، ويكفي الشك.
وأما إذا قال المولى: " أزل النجاسة عن المسجد " ثم قال: " إذا ابتليت بإزالة النجاسة عن المسجد، فدخل وقت الصلاة، فلا تصل قبل أن تزول " فإنه يعلم من الدليل الثاني: أن النظر إلى أهمية ملاك الإزالة، ولا تكون الصلاة قاصرة الملاك والمطلوبية. ولذلك فمع التصريح المذكور، يمكن إدراجه في موضوع هذه المسألة، ويكون من صغريات كبرى التزاحم.
فكل دليل إذا كان بالقياس إلى الدليل الآخر من قبيل الثاني، يمكن دعوى أنه مورد الأمر، بعد البناء على عدم الاعتناء بشأن الأهم.