غايته انه في بعض المقامات قام الدليل على عدم لزوم الانبعاث عن ذلك البعث، و في بعض المقامات لم يقم، فيكون المورد على ما هو عليه من حكم العقل بلزوم الانبعاث عن البعث.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: ان الوجوب لا يستفاد من نفس الصيغة وضعا أو انصرافا، بل انما يستفاد منها بضميمة حكم العقل. وبتقريب آخر: الوجوب ليس معناه لغة الا الثبوت، ومنه قولهم: الواجب بالذات والواجب بالغير، فان معنى كونه واجبا بالذات، هو ان ثبوته يكون لنفسه ولمكان اقتضاء ذاته لا لعلة خارجية تقتضي الثبوت، ومعنى كونه واجبا بالغير، هو ثبوت علة وجوده، أي ان علة وجوده قد تمت وثبتت. هذا في الواجبات التكوينية، وقس عليه الواجبات التشريعية، فان معنى كون الشئ واجبا شرعا هو ثبوت علة وجوده في عالم التشريع، وليس علة وجوده الا البعث، فالبعث يقتضى الوجود لو خلى وطبعه ولم يقم دليل على أن البعث لم يكن للترغيب الذي هو معنى الاستحباب، وليكن هذا معنى قولهم:
اطلاق الصيغة يقتضى الوجوب، فتأمل في المقام جيدا.
(الامر السادس) في دلالة الصيغة على التعبدية والتوصلية اعلم: ان البحث في ذلك يقع في مقامين:
المقام الأول: فيما يقتضيه الأصلي اللفظي المقام الثاني: فيما يقتضيه الأصل العملي عند عدم الأصل اللفظي، وتنقيح البحث عن المقام الأول يستدعى تقديم أمور:
الامر الأول:
في معنى التعبدية والتوصلية اما التعبدية: فهي عبارة عن الوظيفة التي شرعت لأجل ان يتعبد بها العبد لربه ويظهر عبوديته، وهي المعبر عنها بالفارسية (بپرستش) ومعلوم: ان أهل كل نحلة لهم أفعال يظهرون بها عبوديتهم، ويعبدون بها معبودهم حتى عبدة الصنم والشمس، فان لهم حركات خاصة وأفعالا مخصوصة، بها يتذللون لمعبودهم، ويظهرون له العبودية. فالمراد من العبادة في شرعنا، هو ما