يقتضيه، ومحل الكلام انما هو في العبادة أو المعاملة التي كانت في الواقع مشروعة و ممضاة، أي كانت مما تعلق بها الامر والامضاء ولكن المكلف لم يعلم بذلك وأسندها إلى الشارع تشريعا.
والحق في مثل هذا، التفصيل بين العبادة والمعاملة، ففي المعاملة: حرمة التشريع لا تقتضي الفساد، لأنه هب انه كان اصدارها قبيحا عقلا ومحرما شرعا، الا ان حرمة الاصدار ومبغوضية الايجاد لا تقتضي الفساد، على ما سيأتي في المقام الثاني.
واما في العبادة: فالحرمة التشريعية كالحرمة الذاتية تقتضي الفساد لقبح التشريع عقلا المستتبع بقاعدة الملازمة للحرمة الشرعية. وحكم العقل بقبح التشريع لا يدور مدار الواقع، بحيث إذا كانت العبادة في الواقع مشروعة كان المكلف متجريا، بل تمام مناط حكم العقل بقبح التشريع هو الاسناد إلى المولى ما لم يعلم أنه منه، من غير فرق بين ان يعلم أنه ليس منه، أو يظن، أو يشك. وليس حكم العقل بقبح التشريع كحكمه بقبح التصرف في مال الغير، بحيث يكون له حكم واقعي و حكم طريقي في صورة الشك، على ما بيناه في محله. فنفس عدم العلم بان الشارع لم يأمر بالعبادة يتحقق تمام موضوع حكم العقل بقبح التشريع، ويتبعه الحرمة الشرعية. وليس حكم العقل بقبح التشريع كحكمه بقبح المعصية مما لا يستتبع حكما شرعيا فان قبح المعصية من جعل بذاته كحجية العلم، ليس يقبل جعلا شرعيا، موافقا أو مخالفا. بخلاف قبح التشريع، فإنه قابل لجعل حكم مخالف ولا محذور فيه، إذ يصح للشارع تجويز التشريع، فهذا يدل على أن قبح التشريع ليس مما لا يستتبع بقاعدة الملازمة حكما شرعيا، فحكم العقل بقبح التشريع يقتضى الحرمة الشرعية. وليس قبح التشريع أيضا من الآثام القلبية، بحيث لا يسرى إلى العمل والفعل المتشرع به، بل الفعل يكون مبغوضا وقبيحا، غايته انه لا لذاته، بل القبيح هو جهة الاصدار والايجاد، وهذا المقدار يكفي في فساد العبادة لجهة بغضها الفاعلي. وقد تقدم منا: ان العبادة تحتاج إلى حسنها الفعلي والفاعلي معا، ولا يكفي حسنها الفعلي، فالحرمة التشريعية وان لم تناف المطلوبية الذاتية لكونهما في مرتبتين،