والحاصل: أن الوجه الأول من تقريب جريان الاستصحاب لا إشكال فيه بالنسبة إلى الشك في نسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة، ولا بالنسبة إلى الشك في نسخ هذه الشريعة ويجري الاستصحاب بالتقريب الأول فيهما. وأما الوجه الثاني من تقريب جريان الاستصحاب وهو استصحاب الحكم بالنسبة إلى مدرك الشريعتين أو مدرك الزمانين في هذه الشريعة ثم إثباته لغيرهما من المكلفين من جهة قيام الإجماع على الاشتراك في التكليف ففيه: إن أريد بقيام الإجماع على الاشتراك في التكليف التكليف الظاهري - حتى يشمل التكليف الذي هو مؤدى الاستصحاب - فالإجماع ممنوع، لأن المكلفين بحسب التكليف الظاهري مختلفون حتى المكلفين المجتمعين في مجلس واحد فضلا عن غيرهم، وإن أريد التكليف الواقعي فهو مسلم، إلا أن التعبد بالتكليف بمقتضى الاستصحاب بالنسبة إلى مدرك الشريعتين ومدرك الزمانين لا يلزم منه التعبدية بالنسبة إلى غيرهما إلا على القول بالأصل المثبت، وذلك لأنه لو كان بين ثبوت الحكم لأحد وثبوته لغيره ملازمة - ولو شرعا - فباستصحاب الحكم في أحدهما لا يثبت إلا الآثار الشرعية المترتبة عليه، وأما إثبات اللوازم العقلية والملازمات العقلية أو العادية أو الشرعية المترتبة بواسطتهما فلا، لأن ترتيب هذه الآثار في مورد قيام الأمارة مع اشتهار أن مثبتات الأمارات حجة لا يخلو عن مناقشة، بل إنما تكون المثبتات في الأمارة معتبرة فيما إذا كان قيام الأمارة على الملزوم قياما على اللازم أو الملازم، وتكون الأمارة عليهما معتبرة كما هي معتبرة بالنسبة إلى الملزوم، فإذا قامت بينة أو خبر واحد على شيء يثبت له لازمه أو ملازمه اللذين يكون قيامهما عليه قياما عليهما، ويكون قيام البينة أو خبر الواحد حجة فيهما، وإلا فلا، فضلا عن الأصول.
وثبوت الحكم في حق غيره ليس من الآثار الشرعية لثبوته له، بل من ملازماته، فباستصحابه في حقهما وثبوته لهما بالاستصحاب لا يثبت في حق غيرهما إلا على القول بالأصل المثبت.
والحاصل: أن بين ثبوت الحكم لهما وثبوته لغيرهما ملازمة، وباستصحاب