لما أمكن استصحاب أحكام هذه الشريعة لمن لم يكن موجودا في زمان صدور تلك الأحكام، ولما أمكن نسخها بالنسبة إليهم، لأن النسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت، فلو لم يكن ثابتا في حقهم لما أمكن نسخه عنهم.
الثاني أن يستصحب الحكم الثابت في الشريعة السابقة بالنسبة إلى من أدرك الشريعتين، ويثبت بالنسبة إلى من لم يدرك الشريعة السابقة من جهة الاشتراك في التكليف وأن أهل عصر واحد لا يمكن اختلافهم في الحكم.
فتحصل: أنه يمكن استصحاب أحكام الشريعة السابقة بهذين الوجهين، كما يمكن استصحاب أحكام هذه الشريعة بالنسبة إلى المعدومين في زمان الخطاب إما بأن نقول: إن جعل الأحكام من قبيل القضايا الحقيقية فلا تختص بالموجودين في زمان الخطاب، بل يعم المعدومين في ظرف وجودهم - كما هو الحق - وإما بأن نقول بجريان الاستصحاب بالنسبة إلى من كان موجودا في زمان الخطاب وبقي إلى زمان المعدومين الذين صاروا موجودين في الزمان المتأخر، وإثباته بالنسبة إلى غيره من الموجودين في الزمان المتأخر بأدلة الاشتراك في التكليف.
ولا يخفى أن إثبات الحكم لغير من أدرك الشريعتين، وكذا لغير الموجود في زمان ثبوت الحكم في هذه الشريعة إنما هو بواسطة الاشتراك في التكليف، ولا دخل للاستصحاب فيه إلا من جهة إثباته لمن أدرك الشريعتين ومن كان موجودا في زمان ثبوت الحكم في هذه الشريعة واسرائه إلى غيرهما من جهة الاشتراك وتسرية الحكم من موضوع إلى غيره بواسطة دليل لا ربط له بالاستصحاب كإسراء الحكم من المشافهين - بناء على اختصاص الخطاب بهم - إلى غيرهم من جهة قيام الإجماع على الاشتراك في التكليف، وكإسراء الحكم من أهل زمان الحضور إلى أهل زمان الغيبة، مع أن في الأخير - مضافا إلى الاختلاف بحسب الأشخاص المانع من الاستصحاب بعدم تيقن السابق - الاختلاف بحسب الأنواع أيضا، فدليل الاشتراك أيضا لا يكون وافيا بإثبات الحكم الثابت لأهل زمان الحضور على أهل زمان الغيبة لأن الاشتراك إنما هو في المكلفين المتحدين بالنوع.