فمدفوع، أما الأول، فلأن عدم تمييز العقل موضوع حكمه فيما لو كان حكمه بالحسن أو القبح أو غيرهما من الأحكام على الموضوع المركب بأن يحكم بحسن هذا المركب ولم يميز أن جهة حسنه أي شيء من هذه العناوين كما هو مناط جريان الاستصحاب في حال فقد بعض تلك العناوين بواسطة احتمال بقاء ما هو المناط، وإن كان بحسب النظر البدوي ممكنا إلا أنه بحسب النظر الثانوي والتأمل العقلي غير معقول، وذلك لأن الموضوع لما كان الأمر المركب من العناوين الكلية فيمكن للعقل أن يشخص موضوع الحكم ومناطه بأن يفرض الموضوع مجردا عن أحد العناوين، فإن كان الحكم باقيا مع فرض عدمه فيكشف عن عدم دخله في الحكم، وهكذا بالنسبة إلى سائر العناوين حتى تصل النوبة إلى عنوان لا يحكم العقل بهذا الحكم مع فرض عدمه فيستكشف أنه المناط في حكمه، ولو فرض أن الحكم ينتفي بفرض عدم كل واحد منها، ولا يوجد إلا بوجود جميعها فيستكشف أن المناط هو المجموع المركب منها.
والحاصل: أن الإهمال والإجمال في موضوع حكم العقل ومناطه بعد التأمل لا يعقل، وقياسه بالحس في عدم ادراكه وتمييزه موضوع حكمه قياس مع الفارق، لأن في حكم العقل - كما عرفت - يمكن له تميز موضوعه بفرض عدم كل واحد من العناوين، فمن بقاء الحكم مع فرض عدم بعضها وعدمه مع فرض عدم البعض الآخر يستكشف أن المناط هو البعض الذي بانتفائه ينتفي الحكم، وضم البقية من قبيل ضم الحجر إلى الانسان.
وأما بالنسبة إلى الحس فلا يمكن تميز موضوعه بهذا النحو، لأن غاية ما يمكن في مقام التشخيص أن يفرض عدم كل واحد من أجزاء هذا المركب كأن يفرض في الحكم بملاحة شخص عدم عينه أو أنفه أو حاجبه مثلا، أو في الحكم بكون الطعام المخصوص لذيذا عدم كل واحد من أجزائه أو أدوياته أو سائر كيفياته، ولكن هذا الفرض لا يفيد في مقام تشخيص الموضوع، لأن فرض العدم لا يصيره معدوما واقعا.