والحاصل: أن فرض العدم هاهنا لا يكفي في تشخيص الموضوع بخلاف حكم العقل على المجموع المركب من العناوين الكلية فإن الغرض يكفي فيه. نعم يمكن تشخيص موضوع الحكم في الحس أيضا بفقد بعض الخصوصيات، فإن كان الحكم بالملاحة أو اللذة باقيا مع فقده كان المناط هو البعض الآخر الذي بانتفائه ينتفي ذلك الحكم، وإن لم يكن باقيا يستكشف أنه هو المناط.
وأما الثاني وهو احتمال أن يكون للحكم مناطان ولكن لم يدرك العقل إلا أحدهما، فمن انتفاء ذلك المناط لا يلزم انتفاء الحكم، لجواز بقائه ببقاء المناط الآخر.
ففيه: أنه من قبيل القسم الثالث من أقسام الاستصحاب الكلي، وسيجئ الكلام في حجيته وعدم حجيته مطلقا، أو على التفصيل بين القسم الأول منه - وهو ما كان فرد من الكلي متيقن الوجود في الزمان السابق ويحتمل وجود فرد آخر معه في ذلك الزمان، فبارتفاع الفرد المتيقن لا يقطع بارتفاع الكلي لجواز بقائه بالفرد المحتمل الوجود - فيستصحب والقسم الثاني منه - وهو ما كان فرد من الكلي موجودا سابقا وزال، ولكن يحتمل وجود فرد آخر منه مقارنا لزوال ذلك الفرد، فبارتفاعه يرتفع الكلي المتحقق في ضمنه يقينا وتحققه بتحقق الفرد الآخر الذي يحتمل وجوده وحدوثه مقارنا لزوال ذلك الفرد إنما هو شك في حدوثه لا في بقائه بعد تيقن حدوثه - فلا يجري الاستصحاب، لعدم تحقق أركانه.
ثم إن الأقوال في حجية الاستصحاب وعدمها وإن كانت متعددة متكثرة حتى أنهى بعضهم إلى أحد عشر أو أزيد، إلا أنها في الحقيقة راجعة إلى قولين: أحدهما النفي مطلقا كما هو قول المنكرين، والآخر الاثبات في الجملة - على ما ذكر من التفاصيل - كما هو قول المثبتين فلابد من ملاحظة الأدلة التي ذكروها لحجيته حتى يظهر أن مؤداها الحجية المطلقة أو الحجية في الجملة، وعلى القول بالحجية المطلقة لا يلزم أن تكون الحجية المطلقة مفاد دليل واحد، بل يمكن أن تكون الحجية في الجملة كالحجية بالنسبة إلى الشك في الرافع مستفادة من دليل