لا ينفع في إثبات كرية هذا الماء إلا على القول بالأصل المثبت والاستصحابات الجارية في الأحكام الجزئية كالاستصحابات الجارية في الموضوعات الخارجية في تحقق هذا المعنى - أي اتحاد القضيتين - وأما الاستصحابات الجارية في الأحكام الكلية فبالنسبة إلى الشك في النسخ، لا إشكال في جريانها كما إذا شككنا أن وجوب صلاة الجمعة - مثلا - منسوخ أم لا، أو أن حرمة الشيء الفلاني نسخت أم لا، وأما إذا كان الشك في بقائها وارتفاعها من غير جهة النسخ، كما إذا علمنا بنجاسة الماء المتغير حال تغيره وشككنا في بقائها بعد زوال التغير وكالمثال المعروف وهو انتقاض التيمم بوجدان الماء قبل الدخول في الصلاة، ولكن بعد الدخول فيها نشك في انتقاضه بوجدان الماء وعدمه فيشكل الحكم بجريان الاستصحاب، من جهة أن الموضوع في الأحكام الكلية ليس كالأحكام الجزئية أمرا شخصيا وموجودا خارجيا خاصا حتى يكون وجوده الخارجي الخاص رابطا بين الحالين وموجبا لاتحاد القضيتين المتيقنة والمشكوكة بحسب الموضوع والمحمول الذي هو المدار في جريان الاستصحاب كما عرفت، بل الموضوع فيها صرف المفاهيم والعناوين الكلية، ولا شك أن الماء المقيد بالتغير مغاير لغير المتغير، وكذا عنوان المتيمم الواجد للماء قبل الصلاة مغاير للواجد في حال الصلاة، فاستصحاب حكم أحد العنوانين والحالين في زمان تحقق العنوان والحال الآخر إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر، ومجرد كون العنوانين مندرجين تحت عنوان جامع وهو الماء والمتيمم في المثالين السابقين لا يوجب اتحاد القضيتين، لما عرفت من أن الكلي المقيد بقيد مغاير للمقيد بغيره. ولكن يمكن دفع الإشكال بأن المدار في جريان الاستصحاب وعدمه هو صدق الناقضية والمنقوضية وعدمه، فإن كان المناط في صدقهما هو اتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا - وإلا لم يصدق عدم النقض في صورة جريانه ولا النقض في صوره عدم جريانه - فهذا الإشكال وارد، وأما إذا كان المناط في صدقهما هو وجود المقتضي وعدمه فلا يرد هذا الإشكال، لأن القضيتين وإن كانتا مختلفتين إلا أن
(٧٠٨)