هذا الفرق بين الاضطرار والفقد لو حصل الاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف بعد حصول العلم الإجمالي، بنجاسة أحدها أو حرمته لا يجب الاجتناب عن الباقي، سواء كان الاضطرار إلى أحدها المعين أو المخير، لاحتمال أن يكون المضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين أو المختار فيما كان الاضطرار إلى المخير هو المحرم، ويكون التكليف به محدودا إلى هذا الحد، وبعده لاعلم بالتكليف.
نعم لو علم إجمالا بحرمة أحد الشيئين وعلم بحصول الاضطرار إلى أحدهما بعد يومين - مثلا - كان الأمر مرددا بين التكليف القصير والطويل واللازم فيه الاحتياط، وأما لو فقد بعض الأطراف بعد العلم الإجمالي فإنه يجب الاجتناب عن الباقي، لأن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده، وكان التكليف المتعلق به مطلقا فإذا اشتغلت الذمة به كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه يقينا.
والحاصل: أن الاضطرار لما كان من حدود التكليف وقيوده شرعا دون الفقد لم يفرق في الكفاية بين ما كان الاضطرار إلى المعين أو إلى غير المعين، ولابين كون الاضطرار حاصلا قبل العلم أو معه أو بعده، بخلاف الفقد فإنه لو كان قبل العلم الإجمالي أو معه لا يجب الاجتناب عن الباقي، ولو كان بعده يجب الاجتناب عنه.
ولكن الحق في المقام ما أفاده الشيخ (قدس سره) وهو أن الاضطرار إن كان إلى المعين فإن كان سابقا على العلم الإجمالي أو مقارنا له لا يجب الاجتناب عن الباقي لرجوعه إلى عدم العلم بتنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي، وإن كان لاحقا له يجب الاجتناب عن الباقي لتنجز التكليف بالاجتناب عنه، والترخيص في ارتكاب بعض الأطراف مرجعه إلى اكتفاء الشارع في امتثال ذلك التكليف بالاجتناب عن بعض الأطراف وإن كان إلى غير المعين يجب الاجتناب عن الباقي مطلقا، سواء كان الاضطرار قبل العلم أو بعده أو معه، لأن الحرام ليس مضطرا إليه حينئذ، ولذا لو علم الحرام تفصيلا لا يجوز رفع الاضطرار به، وترخيص الشارع في ارتكاب بعض الأطراف على البدل موجب لاكتفاءه في امتثال التكليف الواقعي بالاجتناب عن الباقي.