تجري في مقام تشخيص المراد وقد تجري في مقام تشخيص الوضع: وهذه الأمور بعضها معتبر وبعضها غير معتبر. والنزاع في بعضها صغروي مثل التبادر، فإنه لا إشكال في كونه علامة الحقيقة إذا كان مستندا إلى حاق اللفظ مع قطع النظر عن القرائن الحالية والمقالية المكتنفة باللفظ، وكذلك عدم صحة السلب. وفي بعضها كبروي مثل تنصيص أهل اللغة، فإنه بعد إحراز الصغرى يقع النزاع في أن بهذا التنصيص يثبت الوضع أم لا؟ فإن حصل من التنصيص علم بالوضع أو وثوق واطمئنان فهو، وإلا فيشكل الاعتماد على قول الواحد من باب كونه رجوعا إلى أهل الخبرة، واعتبار قول كل ذي صنعة بالنسبة إلى ما يتعلق بصنعته وكل ذي خبرة بالنسبة إلى ما يتعلق بخبرويته.
كما قيل: إن رجوع المقلد إلى المقلد من هذا الباب (1)، لأنه لا دليل على اعتباره ما لم يتحقق فيه شرائط الشهادة من التعدد والعدالة، ولذا اعتبروا في المقوم وأمثاله كليهما، هذا فيما لو ثبت التنصيص على الوضع. وأما الكتب اللغوية فليست معدة إلا لبيان موارد الاستعمال، وأما أن أي واحد من المعاني معنى حقيقي وأيها معنى مجازي فلا يظهر منها. وإن قيل (2) بأن المعنى المذكور أولا معنى حقيقي وغيره معنى مجازي لكنه غير معلوم. نعم يمكن أن يكون المعنى المذكور أولا به شدة اهتمام من جهة كونه أشهر، أو لوقوعه في الكتاب والسنة بالنسبة إلى الكتب اللغوية المعدة لبيان الألفاظ الواقعة فيها.
فتحصل: أن من جملة علائم الوضع: التنصيص بأن قال بعض أهل اللغة بأن هذا اللفظ موضوع لذلك المعنى، وقد عرفت الاشكال في ثبوت الوضع به فيما لم يجتمع فيه شروط الشهادة، إلا إذا حصل الوثوق والاطمئنان. وأما الكتب اللغوية فلا يثبت بها إلا موارد الاستعمال، وأما أن أيها موضوع له وأيها غير موضوع له فلا يثبت بها.