ولا يتوقف العقلاء في العمل بخبر الثقة إلا من كان من أهل الدقة والوسوسة فإنه في الأمور المهمة ربما يتفحص استظهارا للمطلب لا وجوبا، وهو ليس محل الكلام، وهذه السيرة المستمرة قد أمضاها الشارع، وكأن إمضاءها كان أمرا مسلما مفروغا عنه عند أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ولذا لم يسألوا عن حجية خبر الثقة، بل سئلوا عن صغرياته وأن فلانا ثقة آخذ منه معالم ديني أم لا، مع ما عرفت من تواتر الأخبار إجمالا بحجية خبر الواحد في الجملة، ولازمه وجوب الأخذ بما هو أخص منها مضمونا، وإذا دل ذلك الأخص على حجية ما هو أعم منه فيصير حجة فإذا كان الأخص منها - وهو الخبر الصحيح مثلا - حجة وهو دل على حجية خبر الثقة فيصير خبر الثقة حجة مثل [ما] صدر عن أبي القاسم بن روح - على ما حكي - في جواب السؤال عن كتب العذافري فقال: لا أقول فيهما إلا ما قال العسكري (عليه السلام) في كتب بني فضال: " خذوا ما رووا وذروا ما رأوا " (1) فإن خبر حسين بن روح خبر صحيح دل على حجية خبر الثقة فيصير حجة، إذا المدار في الأخذ بكتب بني فضال ليس إلا وثاقتهم، فكلما كان الخبر موثوق الصدور يجب الأخذ به، سواء كان من جهة وثاقة الراوي وكونه متحرزا عن الكذب، أو من جهة أخرى، لأن اعتبار الوثاقة في الراوي إنما هو من جهة صيرورة خبره موثوق الصدور، فالعمدة في الاستدلال على حجية خبر الواحد في الجملة هي آية النبأ (2) واستقرار سيرة العقلاء، وإلا فباقي الأدلة لا يفيد شيئا.
ثم إن هنا إشكالا وهو أن خبر الفاسق ليس بحجة بمقتضى منطوق آية النبأ، وخبر الثقة حجة بمقتضى استقرار سيرة العقلاء على الأخذ به وإمضائها الشارع وبينهما العموم من وجه، إذ يمكن أن يكون الفاسق ثقة وغير ثقة، كما أن الثقة يمكن أن يكون فاسقا وغير فاسق، فحينئذ يقع التعارض في خبر الفاسق الثقة، فبمقتضى منطوق الآية يجب التبين عنه، وبمقتضى السيرة لا يجب التبين عنه، ومع