ثالثها: دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة واستمرت هذه السيرة إلى زماننا ولم يردع عن العمل به نبي ولا وصي، وهذا كاشف عن رضي الشارع بالعمل، وإلا لردع عنه.
إن قلت: إن الردع بالخصوص وإن لم يرد من الشارع إلا أنه يكفي في الردع الآيات الناهية عن العمل بغير العلم كقوله: (لا تقف ما ليس لك به علم) (١) وقوله:
﴿إن يتبعون إلا الظن﴾ (٢) وقوله: ﴿إن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾ (3) وأمثالها.
قلت: مضافا إلى أن هذه الآيات إنما وردت في مقام النهي عن العمل بالظن في أصول الدين لا مطلقا وعلى تقدير التسليم المتيقن من إطلاقها لو لا أنه المنصرف إليه هو الظن الذي لم يقم عليه حجة - أن الردع عن العمل بخبر الواحد الذي قامت السيرة عليه بالآيات الناهية لا يمكن إلا على وجه دائر، وذلك لأن الردع بها عن السيرة يتوقف على عدم تخصيص عمومها أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة، وعدم التخصيص والتقييد يتوقف على الردع عن السيرة بالآيات وإلا لكانت مخصصة أو مقيدة لا يقال على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة - أيضا - إلا على وجه دائر، فإن اعتباره بالسيرة فعلا يتوقف على عدم الردع بالآيات عن السيرة وعدم الردع يتوقف على تخصيص الآيات بالسيرة، والتخصيص يتوقف على عدم الردع بالآيات عن السيرة، وهو دور.
فإنه يقال: إنما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عن السيرة، لعدم نهوض ما يصلح لردعها كما يكفي في تخصيص الآيات بالسيرة عدم ثبوت الردع عن السيرة.
والحاصل: أنه لو كان تخصيص الآيات الناهية بالسيرة أو حجية خبر الثقة بها متوقفا على إحراز عدم الردع عن السيرة لأشكل الأمر من جهة لزوم الدور وأما لو كان عدم إحراز الردع كافيا في تخصيص الآيات الناهية بها وفي حجية خبر