الغرض من الخطاب دواع آخر غير استفادة المخاطب من الخطاب شيئا إذ لو كان الغرض من الخطاب استفادة المخاطب لا يكفي صرف وجود المخاطب وحضوره، بل يتوقف على أمور أخر من قابليته للخطاب والتفاته ومعرفته باللغة التي يخاطب بها، ونحوها من الأمور التي تتوقف الاستفادة في الحال عليها.
وأما لو لم يكن الغرض استفادته في الحال فما هو الممتنع عقلا هو توجيه الخطاب نحو المعدوم المطلق وأما توجيهه نحو المعدوم في الحال الموجود في المستقبل فلا مانع عنه عقلا بأن ينزل المعدوم منزلة الموجود ويخاطبه لغرض الاستفادة من الخطاب في حال وجوده، أو لأغراض أخر كإظهار الاشتياق وأمثاله كما في خطاب الصادق (عليه السلام) الحجة عجل الله فرجه بقوله: سيدي غيبتك...
إلى آخر. فكما يصح تنزيل غير القابل للخطاب منزلة القابل، وتوجيه الخطاب نحوه كما في قول الشاعر: أيا جبلي نعمان، ونحوه: كذلك يصح تنزيل المعدوم منزلة الموجود ومخاطبته إذا لم يكن الغرض منه الاستفادة في الحال.
وأما تحرير المسألة لفظية بأن يقال: أن أداة الخطاب موضوعة لخطاب الموجود الحاضر وظاهرة فيه، فلو فرض صحة خطاب الغائب أو المعدوم عقلا لابد مع ذلك من صرف الخطاب إلى الموجودين الحاضرين، من جهة الأخذ بظهور الأداة.
ففيه: أن أداة الخطاب موضوعة لخطاب من يصح مخاطبته، وإذا لم يكن مانع عقلا من مخاطبة المعدوم فلا مانع من توجيه الخطاب بهذه الأداة نحوه.
وأما تعلق الحكم بالمعدوم فلا مانع من تعلقه به فيما إذا كان الحكم المجعول على نحو القضايا الحقيقية التي علق الحكم فيها على موضوعات المحققة والمقدرة كما في الإنسان حيوان وأمثاله والأحكام الشرعية جلها أو كلها من هذا القبيل. فكما أن قولنا: " الخمر حرام " يشمل الأفراد الموجودة للخمر والأفراد المقدرة كذلك الحرمة تعم المكلفين الموجودين فعلا وغيرهم ممن يوجد، لأن نسبة الحكم إلى متعلقه وهي الخمر في المثال وموضوعه وهو المكلف