____________________
من غير آلة فهو باق معها، تتنعم به وتفرح أو تحزن، من غير حاجة إلى هذه الآلة في بقاء تلك العلوم والإدراكات الكلية لها هناك. وقد ضرب للمفارقة التي سميناها بالموت مثل، فقيل كما أن بعض أعضاء المريض يتعطل - بحسب فساد مزاج يقع فيه، أو بحسب سدة (1) تعرض للأعصاب، فتمتنع (2) نفوذ الروح فيها، فتكون النفس مستعملة لبعض الأعضاء دون ما استعصى عليها منها - فكذلك الموت عبارة عن استعصاء جميع الأعضاء كلها وتعطلها. وحاصل هذه المفارقة يعود إلى سلب الإنسان عن هذه الأعضاء والآلات والقنيات الدنيوية من الأهل والمال والولد ونحوها.
ولا فرق بين أن تسلب هذه الأشياء عن الإنسان، أو يسلب هو عنها إذا كان المؤلم هو الفراق. وقد يحصل ذلك بنهب مال الرجل وسبي ذريته، وقد يحصل بسلبه ونهبه عن أهله وماله. فالموت في الحقيقة هو سلب الإنسان عن أمواله إلى عالم آخر فإن كان له في هذا العالم شيء يأنس به، ويستريح إليه، فبقدر عظم خطره عنده يعظم تحسره عليه في الآخرة. ويكون سبب عظم خطره عند ضعف تصوره لما اعد للأبرار المتقين في الآخرة، مما يستحقر في القليل منه أكثر نفائس الدنيا. فأما إن كان عين بصيرته مفتوحة حتى لم يفرح الا بذكر الله، ولم يأنس إلا به، عظم نعيمه وتمت سعادته، إذ خلي بينه وبين محبوبه، قطع علائقه وعوائقه الشاغلة له عنه، ووصل إليه، وانكشف له هناك ما كان يدركه من السعادة - بحسب الوصف - انكشاف مشاهدة، كما يشاهد المستيقظ ما رآه في النوم، «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، ولذلك كان الموت راحة للمؤمنين ومحبوبا للمتقين، كما أشار إليه سيد المرسلين: صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطاهرين «ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله» (3) وذلك لكونه وسيلة لهم إلى ما أعد لهم من السعادة الأخروية التي هي حياة
ولا فرق بين أن تسلب هذه الأشياء عن الإنسان، أو يسلب هو عنها إذا كان المؤلم هو الفراق. وقد يحصل ذلك بنهب مال الرجل وسبي ذريته، وقد يحصل بسلبه ونهبه عن أهله وماله. فالموت في الحقيقة هو سلب الإنسان عن أمواله إلى عالم آخر فإن كان له في هذا العالم شيء يأنس به، ويستريح إليه، فبقدر عظم خطره عنده يعظم تحسره عليه في الآخرة. ويكون سبب عظم خطره عند ضعف تصوره لما اعد للأبرار المتقين في الآخرة، مما يستحقر في القليل منه أكثر نفائس الدنيا. فأما إن كان عين بصيرته مفتوحة حتى لم يفرح الا بذكر الله، ولم يأنس إلا به، عظم نعيمه وتمت سعادته، إذ خلي بينه وبين محبوبه، قطع علائقه وعوائقه الشاغلة له عنه، ووصل إليه، وانكشف له هناك ما كان يدركه من السعادة - بحسب الوصف - انكشاف مشاهدة، كما يشاهد المستيقظ ما رآه في النوم، «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، ولذلك كان الموت راحة للمؤمنين ومحبوبا للمتقين، كما أشار إليه سيد المرسلين: صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطاهرين «ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله» (3) وذلك لكونه وسيلة لهم إلى ما أعد لهم من السعادة الأخروية التي هي حياة