ظلما لأنه قد يأكله على وجه الاستحقاق بأن يأخذ الوصي منه وغيره أجرة المثل على ما قلناه أو يأكل منه بالمعروف على ما فسرناه أو يأخذه قرضا على نفسه.
فإن قيل: إذا أخذه قرضا على نفسه أو أجرة المثل على ما قلناه فلا يكون أكل مال اليتيم وإنما أكل مال نفسه.
قلنا: ليس الأمر على ذلك لأنه يكون أكل مال اليتيم لكنه على وجه التزم عوضه في ذمته أو استحقه بالعمل في ماله فلم يخرج بذلك من استحقاق الاسم بأنه مال اليتيم، ولو سلم ذلك لجاز أن يكون المراد بذلك ضربا من التأكيد وبيانا لأنه لا يكون أكل مال اليتيم [لا ظلما، و " ظلما " نصب على المصدر وأكل مال اليتيم] وغصبه يتساويان في توجه الوعيد إليه.
وقال تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده. نهى سبحانه جميع المكلفين أن يتصرفوا في أموال اليتامى بل يحفظوا على اليتيم ماله ويثمروه على ما لا يشك أنه أصلح له، فأما بغير ذلك فلا يجوز لأحد التصرف فيه. وإنما خص اليتيم بذلك - وإن كان التصرف في مال الغير بغير إذنه لا يجوز أيضا - لأن اليتيم إلى ذلك أحوج والطمع في ذلك أكثر.
" حتى يبلغ أشده " أي " حتى يبلغ الحلم، وقيل: حتى يبلغ كمال العقل ويؤنس منه الرشد.
وقال تعالى: وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب. هذا خطاب لأوصياء اليتامى أمرهم الله بأن يعطوا اليتامى أموالهم إذا بلغوا الحلم وأونس منهم الرشد وسماهم يتامى بعد البلوغ مجازا لأنه ع قال: لا يتم بعد حلم.
وقيل: كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلون مكانه الردئ، قال لهم: لا تتبدلوا الخبيث بالطيب، أي لا تستبدلوا ما حرمه الله عليكم من أموالهم بما أحله لكم من أموالكم " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " أي لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم فتأكلوهما جميعا، فأما خلط مال اليتيم بمال نفسه إذا لم يظلمه فلا بأس به.
قال الحسن: لما نزلت هذه الآية كرهوا مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فأنزل الله:
ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم. وهو المروي عنهما ع.
وقال في سورة الأنعام: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده.