وقول من قال: حصول الاجماع على أن الوصية ليست فرضا يدل على أنها منسوخة، باطل أيضا لأن إجماعهم على أنا لا تفيد الفرض لا يمنع من كونها مندوبا إليها ومرغبا فيها، ولأجل ذلك كانت الوصية للأقربين الذين ليسوا بوارثين ثابتة بالآية ولم يقل أحد: إنها منسوخة في حيزهم.
ومن قال: إن النسخ في الآية ما يتعلق بالوالدين - وهو قول الحسن - فقد قال قولا ينافي ما قاله مدعو نسخ الآية على كل حال، ومع ذلك فليس الأمر على ما قال لأنه لا دليل على دعواه.
وقال طاووس: إذا أوصى لغير ذي قرابته لم تجز وصيته. وقال الحسن: ليست الوصية إلا للأقربين. وهذا الذي قالاه عندنا وإن كان غير صحيح فهو مبطل قول من يدعي نسخ الآية، وإنما قلنا إنه ليس بصحيح لأن الوصية لغير الوالدين والأقربين عندنا جائزة، ولا خلاف بين الفقهاء في جوازها.
والوصية لا تجوز بأكثر من الثلث إجماعا، والأفضل أن تكون بأقل من الثلث لقوله ع: والثلث كثير.
وأحق من وصى له من كان أقرب للميت إذا كانوا فقراء، وإن كانوا أغنياء فقال الحسن: هم أحق بها، وقال ابن مسعود: الأحق بها الأحوج فالأحوج من القرابة.
فصل: وقوله تعالى: إن ترك خيرا، يعني مالا، واختلفوا في مقدار ما الذي يستحب الوصية عنده: فقال الزهري: كلما وقع ع اسم مال من قليل أو كثير، وقال إبراهيم النخعي:
ألف درهم إلى خمسمائة.
وروي أن عليا ع دخل على مولى له في مرضه وله سبعمائة درهم أو ستمائة، فقال: إلا أوصى؟ فقال ع: لا، إنما قال سبحانه: إن ترك خيرا، وليس لك كثير مال. وبهذا نأخذ لأن قوله ع عندنا حجة.
والوصية مرفوعة ب " كتب " ويجوز أن تكون مبتدأ وخبره للوالدين، والجملة في موضع رفع على الحكاية بمنزلة قيل لكم الوصية للوالدين.
وفي إعراب " إذا " والعامل فيه قولان: أحدهما كتب، على معنى إذا حضر أحدكم الموت، أي عند المرض. والوجه الآخر قال الزجاج: لأنه رغب في حال صحته أن يوصي،