ضرار لم تجز وصيته لقوله " غير مضار ". والوصي إذا بدل الوصية لم ينقص من أجر الموصي شئ كما لو لم يبدلها لأنه لا يجازى أحد على عمل غيره، لكن يجوز أن يلحقه منافع الدعاء والإحسان الواصل إلى الموصى له على غير وجه الأجر له.
وفي الآية دلالة على بطلان قول من يقول: إن الوصي أو الوارث إذا لم يقض دين الميت فإنه يؤخذ به في قبره أو في الآخرة، إذ لا إثم عليه بتبديل غيره فأما إن قضي عنه من غير أن أوصى به فإن الله تعالى يتفضل بإسقاط العقاب عنه إن شاء الله.
ثم قال تعالى: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه. لما حذر في الآية الأولى الوصي من تبديل أمر الوصية وأوعده أن يجاوز ما أمر به أعقب ذلك بما للوصي أن يفعله فيما جعل إليه من الوصية، لأن الأولى كالعموم وهذا تخصيص له، فكأنه قال: ليس للوصي أن يبدل أمر الوصية بعد سماعه إلا أن يخاف من الموصي أنه أمر بغير المعروف مخالفا لأمر الله، فحينئذ للوصي أن يبدل ويصلح لأنه رد إلى أمر الله.
وقال المرتضى: لا تصح الوصية في حال الصحة والمرض جميعا بأكثر من الثلث وكذلك كل تمليك يستحق لموت المملك وإذا أوصى الانسان بأكثر من الثلث يرد إلى الثلث على ما نذكره.
فصل: فإن قيل: كيف قال تعالى: فمن خاف من موص، لما قد وقع والخوف إنما يكون لما لم يقع؟
قلنا: فيه قولان:
أحدهما: أنه خاف أن يكون قد زل في وصيته فالخوف للمستقبل وذلك الخوف هو أن يظهر ما يدل على أنه قد زل لأنه من جهة غالب الظن.
والثاني: لما اشتمل على الواقع ولم يقع جاز فيه خلاف ذلك فيأمره بما فيه الصلاح وما وقع رده إلى العدل بعد موته.
والجنف الجور وهو الميل عن الحق. قال الحسن: هو أن يوصي في غير القرابة، قال:
فمن أوصى لغير قرابته رد إلى أن يجعل للقرابة الثلثان ولمن أوصي له الثلث. وهذا باطل عندنا لأن الوصية لا يجوز صرفها عمن وصى له وإنما قال الحسن ذلك لقوله إن الوصية للقرابة واجبة، وعندنا أن الأمر بخلافه على ما بيناه.