فمن خص به الأجانب دون الأقارب فقد عدل عن الظاهر بغير دليل.
فإن قالوا: إن الآية منسوخة بآية المواريث الجواب: إن النسخ إنما يكون إذا تنافي العمل بموجبهما ولا تنافي بين آية الوصية وآية المواريث والعمل بمقتضاهما سائغ، فكيف يجوز أن يدعي النسخ في ذلك مع فقد التنافي؟ ولا يجوز أن ينسخ بما يقتضي الظن كتاب الله الذي يوجب العمل، وإذا كنا لا نخصص كتاب الله بأخبار الآحاد فالأولى أن لا ننسخه بها.
وقال تعالى: وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا، عن ابن عباس: إن الخطاب بقوله " فارزقوهم " متوجه إلى من حضرته الوفاة وأراد الوصية فإنه ينبغي لهم أن يوصوا لمن لا يرث من الأقرباء بشئ من أموالهم إن كانوا أغنياء ويعتذرون إليه إن كانوا فقراء. ورزق الانسان غيره يكون على معنى التمليك.
ثم قال تعالى: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا. وقيل في معنى الآية أربعة أقوال:
أحدها: النهي عن الوصية بما يجحف بالورثة ويضر بهم.
الثاني: قال الحسن: كان الرجل يكون عند الميت يقول له أوص بأكثر من الثلث من مالك فنهاه الله عن ذلك.
الثالث: قال ابن عباس: إنه خاطب لولي اليتيم يأمره بأداء الأمانة فيه والقيام بحفظه كما لو خاف على مخلفيه إذا كانوا ضعافا وأحب أن يفعل بهم مثل ذلك.
الرابع: قال ميثم: هي في حرمان ذوي القربى أن يوصي لهم، بأن يقول الحاضر للوصية لا توص لأقاربك ووفر على ورثتك.
ومعنى الآية: أنه ينبغي للمؤمن الذي لو ترك ذرية ضعافا بعد موته خاف عليهم الفقر والضياع أن يخشى على ورثة غيره من الفقر والضياع ولا يقول لمن يحضر وصيته أن يوصي بما يضر بورثته وليتق الإضرار بورثة المؤمن.
فصل: ثم خوف الله تعالى الأوصياء وأوعدهم بقوله: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا، وإنما علق سبحانه الوعيد في الآية بمن يأكل أموال اليتامى